قال خبراء سياسيون فرنسيون إن الأزمة الحالية بين رئيس الوزراء فرانسوا بايرو والحزب الاشتراكي تعكس فشلًا مستمرًّا في بناء جسور التعاون، رغم المحاولات المتكررة منذ أعوام.
وقالت الباحثة بمركز الدراسات السياسية في باريس، الدكتورة كارين دوماس، إن المشهد السياسي الحالي يشهد انهيارًا للتكامل بين المركز واليسار، موضحة أن بايرو "لم ينجح في كسب ثقة الحزب الاشتراكي"، مما قاد إلى هذه المواجهة الحاسمة في التصويت على منح الثقة.
وأوضحت دوماس، في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن العلاقة بين بايرو والحزب الاشتراكي خلال العقود الأخيرة عاشت سلسلة من الفرص الضائعة والإخفاقات في بناء تحالف سياسي واضح، لافتة إلى أن آخر هذه الحوادث كان في 14 أغسطس/آب الماضي، عندما اتصل بايرو هاتفيًّا مع الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند لتهنئته بعيد ميلاده، لكن التهنئة جاءت بعد يومين من حلول المناسبة، ما عكست حالة التوتر والارتباك المستمرة.
من جهته، قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة ليون، الدكتور جان بيير مارتان، إن "ندرة الحوار وسوء التقدير السياسي" هما السبب وراء الأزمة الراهنة.
وأضاف مارتان، في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن بايرو تجاهل إشراك الحزب الاشتراكي بشكل فعّال أثناء إعداد ميزانية الإنقاذ، وهو ما أجج الاستياء وأدى إلى عزلة الحكومة.
ووفق مارتان، فإنه "تم تقديم مبادرة من هولاند للتعاون، عبر اقتراح مناقشة عاجلة حول موضوع الميزانية، لكن بايرو تجاهل الأمر مؤجلًا الحوار إلى ما بعد الصيف، وهو قرار حسم مصيره: عدم التفاوض مع الحزب الاشتراكي".
وتابع: "اعتمد بايرو بدلًا من ذلك على التصويت على الثقة في البرلمان في 8 سبتمبر/أيلول الجاري، وهو ما يشكل خطوة عالية المخاطر؛ نظرًا لمعارضة كتلة واسعة من الأحزاب اليسارية واليمينية".
ورغم أن سلسة الاجتماعات قد بدأت بشكل مجدٍ وواعد في مطلع العام 2025، حول ما سُمي بـ"اتفاق عدم سحب الثقة" بشأن ميزانية الدولة والإصلاحات الاجتماعية، فإن الانفصال السياسي ظهر سريعًا لاحقًا، خصوصًا بعد فشل بايرو في تقديم تنازلات للشركاء المحتملين.
ورأى مارتان أن اليسار لن يجدد تأييده لبايرو، موضحًا أن تصويت البرلمان على الثقة المرتقب يهدد بإسقاط الحكومة بعد فشل بايرو في حشد الدعم اللازم، وسط معارضة من الاشتراكيين والشيوعيين ورافضي النظام ("اللا متمردين") و"التجمع الوطني".
وأشار إلى أن التحدي الآخر يتمثل في خطر الأزمة الاقتصادية، مشيرًا إلى أن الأسواق تفاعلت سلبًا مع الأزمة، إذ أدى التوتر السياسي إلى تراجع مؤشر "CAC40" في البورصة، وتضاعف عوائد السندات، في إشارة إلى هشاشة الثقة في استقرار البيئة السياسية.
ولفت مارتان إلى أنه في حال سقوط الحكومة، سيواجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون احتمال تعيين رئيس وزراء جديد، وربما من اليسار المعتدل، مثل أوليفييه فور، أو اللجوء إلى انتخابات مبكرة، في ظل تحذيرات من التصاعد الشعبوي أو اليمين المتطرف.
وبحسب مارتان، يوجد بين فرانسوا بايرو والحزب الاشتراكي تاريخ من الفرص الضائعة، مستبعدًا أن يصوت نواب الحزب الاشتراكي، بعد ظهر الاثنين، لصالح منح الثقة لرئيس الوزراء، فمنذ تسلّمه المنصب في نهاية العام 2024، ارتكب بايرو عدة هفوات تجاه الذين كان بالإمكان أن يكونوا شركاءه، وفق تعبيره.
وتعتبر قصة بايرو مع الحزب الاشتراكي سردا سياسيا طويلا عن التضارب بين النوايا والتطبيق، فالرجل حاول، مرات عدة، التوسط بين الوسط واليسار، لكنه فشل في بناء ثقة ثابتة.
ويتوج هذا الفشل الآن في مواجهة محتدمة على الثقة الحكومية، وسط تهديد بتفاقم الأزمة السياسية والاقتصادية التي تواجه فرنسا.