تحوّلت مدينة بوكروفسك إلى نقطة تحول حاسمة في الحرب، حيث يُعتبر سقوطها كارثة استراتيجية لا تُحتمل لكييف، في الوقت الذي تحشد فيه روسيا قوات "هائلة" مما يفوق قدرات أوكرانيا.
ووفق تقرير لموقع "ناشيونال سكيوريتي جورنال"، فإن الأوكرانيين لن يستطيعوا تحمل خسارة معركة بوكروفسك، خصوصاً مع الوضع المتقلب الذي يجعل المدينة، المركز اللوجستي الحيوي، عرضة للسقوط الوشيك.
وبدأت المعركة منذ أكثر من عام، عقب الاستيلاء الروسي على أفدييفكا في فبراير/ شباط 2024، وأصبحت الآن أطول المعارك تنافساً في تاريخ المنطقة. وقد عبّر الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، في 27 أكتوبر، بشكل صريح عن التفوق الروسي الساحق بقوله: "جندي واحد منا مقابل ثمانية جنود منهم".
وخصصت موسكو قوات هائلة لقطاع بوكروفسك، مما يفوق قدرات أوكرانيا على التركيز في جبهة واحدة، ورغم ذلك، يصر زيلينسكي على أن الروس "لم يحققوا النتيجة المرجوة"، لكن الواقع الميداني يروي قصة أخرى، بحسب "ناشيونال سكيوريتي جورنال".
حاصرت القوات الروسية المدينة من ثلاث جهات، تاركة فجوة إمداد طولها 15 كيلومتراً فقط، وفقاً لمجموعة "ديب ستيت" الأوكرانية لرصد ساحات المعارك.
وتكشف الأزمة اللوجستية عن عمق الكارثة، إذ فجّر الروس جميع الجسور المؤدية إلى بوكروفسك، مما جعل إخلاء الجرحى "شبه مستحيل"، كما أفادت الملازم الأول ناتاليا ستويكو، رئيسة الخدمات الطبية في اللواء الخامس الآلي.
وفي مؤتمر "شخصية في الجيش" بكييف، أكدت ستويكو أن الجيش يفتقر إلى "كل شيء"، من معدات هندسية، وجسور مؤقتة، وحتى مهندسين قادرين على بناء بدائل خشبية، مشيرة إلى أن هذا النقص يهدد بترك آلاف الجرحى خلف الخطوط في حال انسحاب فوضوي.
وداخل المدينة، تخوض فرق التسلل الروسية قتالاً شرساً، كما يشير قائد فصيلة أوكرانية إلى تجمع نحو 200 جندي روسي داخل بوكروفسك، يعملون بفرق صغيرة من جنديين إلى ثلاثة، مختبئين في الملاجئ والأقبية بانتظار التعزيزات. وهذه الوحدات غير متمركزة دفاعياً، مما يعكس الطبيعة السائلة والعنيفة للمعركة.
ويحذر محللون من أن الانسحاب المتأخر سيؤدي إلى "هزيمة فوضوية في اللحظة الأخيرة"، مشابهة لتجارب سابقة حيث تمسكت كييف بمدن محاصرة، مما أدى إلى خسائر بشرية هائلة.
المدينة ليست مجرد نقطة جغرافية، بل هي مركز لوجستي يمنح السيطرة عليها ميزة تشغيلية حاسمة في دونباس، كما يقول الخبير الأمريكي، باسي باروينن، معتبراً أن المعركة، رغم عدم فظاعتها كستالينغراد، تبقى لا تُطاق.
ويعتقد باروينن أن الانسحاب كان يجب أن يحدث منتصف الصيف، خاصة بعد اقتراب الروس من بلدات مثل رودينسكي. وقال: "كلما مر الوقت، زادت صعوبة الانسحاب"، متوقعاً سيطرة روسية على معظم المدينة خلال أسابيع، اعتماداً على إصرار القيادة الأوكرانية وفعالية الهجمات المضادة.
وينصح خبراء غربيون أوكرانيا بالانسحاب الفوري عندما يصبح التمسك غير منطقي تكتيكياً، رغم العائق اللوجستي، إذ كان التشبّث الزائد، كما في حالات سابقة، يحول الانسحاب إلى نكبة، تاركاً الجرحى عرضة للموت أو الأسر.
ويتقدم الروس في بوكروفسك بقوة، مرسخين سيطرة راسخة، بينما يدافع الأوكرانيون بموارد محدودة وفق تقرير "ناشيونال سكيوريتي جورنال"، الذي يشير إلى أن خسارة المدينة ليست خسارة عسكرية فحسب، بل ستكون تهديداً لخطوط الإمداد الرئيسة، مما قد يفتح الباب لانهيار أوسع في دونباس.