تواصل أوكرانيا توسيع نطاق هجماتها على قطاع الطاقة الروسي، مستهدفة ناقلات نفط ومنشآت تصدير حيوية في البحر الأسود، في خطوة تهدف إلى ضرب شريان التمويل الرئيسي لحرب الكرملين المستمرة منذ نحو أربع سنوات.
وتأتي هذه العمليات البحرية في وقت يخضع فيه ملف الحرب لتحركات دبلوماسية كثيفة تقودها الولايات المتحدة لبحث إطار سلام محتمل بين موسكو وكييف، بحسب صحيفة "وول ستريت جورنال".
هجمات بطائرات مسيّرة تتسلل عبر الأمواج
مع غروب الشمس فوق البحر الأسود الجمعة الماضية، اصطدمت طائرة بحرية مسيّرة من طراز "سي بيبي"، طوّرها جهاز الأمن الأوكراني، بناقلة نفط مرتبطة بروسيا، مولّدة كرة نارية ضخمة أضاءت الأفق.
وقد بثت كييف لقطات للهجوم، في ثالث اعتراف رسمي هذا العام باستهداف ناقلات النفط الروسية، بعد سلسلة من التفجيرات الغامضة طالت سفنًا مماثلة منذ يناير.
وأكدت أوكرانيا هذا الأسبوع، أنها نفذت ضربات ضد ناقلتي النفط "كايروس" و"فيرات" اللتين كانتا تبحران تحت علم غامبيا باتجاه ميناء نوفوروسيسك الروسي.
ورغم أن السفينتين كانتا خاليتين من النفط حينها، فإنهما تُقدّران بنقل شحنات قيمتها نحو 70 مليون دولار؛ كما أن كلتا السفينتين مدرجتان على لوائح العقوبات الأوروبية والغربية، ومملوكتان ضمن شبكة تُوصف بأنها "أسطول الظل" الروسي.
بوتين يهدد بفصل أوكرانيا عن البحر
دفعت الهجمات البحرية موسكو إلى إطلاق تحذيرات شديدة، حيث توعّد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتوسيع نطاق الغارات على الموانئ الأوكرانية، قائلاً: "الخيار الأكثر تطرفًا هو فصل أوكرانيا عن البحر، وبالتالي تصبح القرصنة مستحيلة تمامًا".
وتشير هذه التصريحات إلى احتمالات تصعيد جديد يطال خطوط الملاحة الحيوية في البحر الأسود، ما قد يعمّق المخاطر على التجارة الدولية.
أبدت دول الجوار قلقًا واضحًا من تداعيات هذه الهجمات البحرية، إذ حذر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من تهديد الصراع "لسلامة الملاحة" في البحر الأسود، موجّهًا رسائل إنذار إلى «جميع الأطراف» دون تسمية مباشرة.
كما انتقدت كازاخستان ضرب منشآت نفطية تستخدمها لتصدير الخام عبر نوفوروسيسك، معتبرة أن هذا يضر بالعلاقات الثنائية، فيما أوضحت كييف أن هجماتها لا تستهدف شركاءها بل تحاول «صدّ العدوان الروسي».
تعتمد موسكو على شبكة واسعة من السفن القديمة تُبدل أعلامها باستمرار للتحايل على القيود الغربية، وهو ما يتيح مواصلة بيع النفط رغم العقوبات.
لكن الهجمات الأخيرة أدت إلى ارتفاع أقساط التأمين البحري، وزيادة المخاطر التشغيلية، وخسائر قد تمسّ إيرادات تمثل عماد الميزانية الروسية.
ويرى خبراء أن هذه الاستراتيجية قد تُجبر روسيا على إعادة توجيه الصادرات إلى موانئ أبعد في بحر البلطيق، ما يزيد التكاليف ويقلل الأرباح.
كييف تعوّض ضعفها البحري بالتكنولوجيا
بعد أن فقدت معظم أسطولها الحربي التقليدي، تمكنت أوكرانيا من بناء قدرات متقدمة في الطائرات البحرية والجوية المسيّرة، مكّنتها من استهداف سفن حربية، ومنصات تحميل النفط، والدفاعات الجوية، منشآت تصدير وإنتاج الطاقة.
وقد طالت الهجمات الأسبوع الماضي، مرافق في ميناء نوفوروسيسك نفسه، أحد أهم الموانئ الروسية على البحر الأسود، ما أدى إلى تضرر بنى تحتية تابعة لاتحاد خط أنابيب بحر قزوين الذي تشارك فيه أيضًا شركات غربية كبرى مثل شيفرون وإكسون موبيل؛ وارتفعت أسعار خام برنت إثر ذلك بنحو 1%.
تثبت موسكو حتى الآن قدرتها على احتواء الأضرار عبر إصلاح المصافي المتضررة، وتوفير سفن إضافية للشحن، والحفاظ على تدفق النفط إلى الأسواق الآسيوية؛ لكن الأثر غير المباشر يتصاعد تدريجيًا: نقص وقود في بعض المدن الروسية، تحويل أنظمة الدفاع الجوي من الجبهة، وتآكل إيرادات الدولة.
يقول آدي إمسيروفيتش، خبير الطاقة بجامعة أكسفورد: "هذه هي أفضل ورقة ضغط لدى أوكرانيا، ضرب الاقتصاد قد يدفع روسيا للمرونة في المفاوضات".
بالتزامن، يجري المبعوث الأمريكي الخاص ستيف ويتكوف محادثات في موسكو بعد لقاءات مع مسؤولين أوكرانيين، في محاولة لبلورة مسار تفاوضي محتمل. لكن التوتر في البحر الأسود قد يقوّض أي نافذة للحوار.