تتحوّل الحرب في أوكرانيا مع اقتراب فصل الشتاء، إلى معركة مزدوجة، ميدانية وإنسانية، حيث تستخدم روسيا البرد كسلاح استراتيجي عبر استهداف البنية التحتية للطاقة.
وفي موازاة ذلك، تنشط على الجبهة الرقمية شبكات الاحتيال التي تستغل المأساة الإنسانية؛ إذ ينتحل "البُرُوتور" أو المحتالون هوية جنود أوكرانيين على مواقع التواصل لاستدرار العواطف وجمع الأموال من ضحايا في الخارج.
هجمات على البنية التحتية للطاقة
شهدت أوكرانيا خلال الأسابيع الأخيرة سلسلة هجمات روسية مكثفة على المنشآت الكهربائية، ما تسبب بانقطاعات واسعة للكهرباء والحرارة في المدن الكبرى مثل كييف وخاركوف.
ونقل موقع "بليك" السويسري عن خبراء للطاقة، أن هذه الهجمات تهدف إلى ترك السكان في برد قاتل، خاصة مع انخفاض درجات الحرارة إلى أقل من عشر درجات تحت الصفر، الأمر الذي قد يجعل بعض المناطق غير صالحة للسكن.
من جهتها قالت شركة Zentroenergo إن الإنتاج الكهربائي أصبح معدومًا بعد الهجمات الأخيرة، فيما يتوقع الخبراء أن يؤدي انهيار شبكات الكهرباء إلى أيام طويلة من الظلام، وإمكانية تفريغ أنابيب المياه لتجنب تجمدها وانفجارها، ما قد يضطر السلطات إلى التفكير في إخلاء بعض المناطق إذا تدهورت الأوضاع.
في المقابل، شنت أوكرانيا هجمات مضادة على المنشآت الروسية، بما في ذلك المصافي وخطوط الأنابيب ومحطات التوزيع، في محاولة لتعطيل الإمدادات اللوجستية للجيش الروسي.
وقد أسفرت هذه العمليات عن انقطاعات في الكهرباء تشمل عشرات آلاف الروس في مناطق مثل كورسك، ما يعكس أن الحرب أصبحت مزدوجة الأبعاد على الجانبين.
استغلال الحرب عبر الإنترنت
بالتوازي مع النزاع العسكري، استغل بعض المحتالين الحرب عبر الإنترنت، لخداع مؤيدين للبلاد وطلب أموال منهم، وفقًا لما نقلته صحيفة "لوباريزيان".
فمنذ بداية الهجوم الروسي على أوكرانيا في 2022، انتشرت على الشبكات الاجتماعية العديد من حسابات الجنود الأوكرانيين المزيفة.
خلف هذه الحسابات، كثيرًا ما يقف المحتالون المعروفون بـ"البروتور" الذين يحاولون ابتزاز الأموال من ضحايا في الخارج مستغلين مشاعرهم وتعاطفهم مع الحرب.
كارولين.. ضحية فرنسية
كارولين (تم تغيير الاسم) باريسية تبلغ من العمر 44 عامًا، بدأت منذ نهاية 2023 تشعر بانجذاب نحو أوكرانيا وثقافتها وشعبها وشجاعتهم، كما تقول.
وتشير إلى أنها اشتركت على منصة "إكس" في متابعة حسابات جنود أوكرانيين "لتشجيعهم".
في بداية 2024، تلقت رسالة من شخص يُدعى الرقيب ييفا بوريسوف، ادعى أنه أحد الجنود، فبادرت إلى التحدث معه، كتب لها الجندي المزعوم بالإنجليزية: "شكرًا لدعمك وإخلاصك لأوكرانيا"، ودعاها لاحقًا للتواصل عبر تطبيق تليغرام "لأسباب أمنية"، وسرعان ما تطورت العلاقة لتصبح رومانسية.
بعد عدة أشهر، بدأ الجندي المزعوم بطلب المال، معللًا بأن الإمدادات لم تصل إلى الجبهة وأن الطعام ينقص، وادعى أنه فقد زوجته وأطفاله في هجوم روسي، وأنه لا يستطيع الوصول إلى حسابه المشترك، وأرسلت كارولين له ما مجموعه 15,500 يورو خلال أقل من عامين.
أساليب الاحتيال واستخدام الذكاء الاصطناعي
أحيانًا كانت تشعر بالشك، وعندما عبّرت عن ذلك، كان المحتال يضغط عليها عاطفيًا قائلًا: "هل يجب أن أموت لتصدقي؟"، مستخدمًا الذكاء الاصطناعي لإنتاج صور وفيديوهات واتصالات فيديو مباشرة، لتجسيد القصة وإقناع الضحية.
بعد عام وتسعة أشهر، بدأت كارولين تدريجيًا تدرك، أن العلاقة وهمية وأنها ضحية عملية احتيال، وبالتعاون مع مجموعة دعم الضحايا، تمكنت من تحديد مكان المحتال في نيجيريا، وقدمت شكوى في باريس، لكن حسابها على PayPal أصبح مدينًا بمبلغ 11,000 يورو.
وفي فرنسا، يسجل مكتب مكافحة الجرائم الإلكترونية (Ofac) نحو 3,000 شكوى سنويًا تتعلق بالاحتيال العاطفي.
وبحسب صحيفة "لوباريزيان"، فإن العملية عادة تبدأ ببناء علاقة ثقة واعتماد عاطفي، ثم يتلاعب المحتال بمشاعر الضحية للحصول على المال.
وقد رصدت منظمات مثل «The Verification Unit» هذه الممارسات منذ 2023، حيث تنتحل الحسابات صور جنود حقيقيين، أحيانًا قتلى، لاستغلال العاطفة الإنسانية.
كارولين تعمل حاليًا على سداد قروضها وتعيش بميزانية محدودة (حوالي 500 يورو شهريًا)، لكنها تخطط للانتقال إلى أوكرانيا والعمل مع منظمة غير حكومية لدعم المدنيين الحقيقيين هناك.