logo
العالم

كيف سيدير الرئيس الأمريكي الجديد أزمات الشرق الأوسط؟

كيف سيدير الرئيس الأمريكي الجديد أزمات الشرق الأوسط؟
شاب يدلي بصوته في انتخابات 2024 في منهاتنالمصدر: رويترز
05 نوفمبر 2024، 12:34 م

لكل من دونالد ترامب، خلال تجربته كرئيس، وكامالا هاريس، خلال تجربتها كنائبة رئيس، تجربته الخاصة في التعامل مع الشرق الأوسط وأزماته. وكل منهما يمتلك تصوراته الخاصة حول السياسة الخارجية الأمثل للولايات المتحدة.

إلا أن الاعتبارات الاقتصادية، والهموم الفريدة للناخب الأمريكي، فرضت نفسها على المرشحين الجمهوري والديمقراطي، وتراجعت السياسة الخارجية في خطاب كل منهما، لتقتصر على خطوط عامة تمثل استمرارًا للمواقف المعروفة لكل من المرشحين.

ترامب تابع التأكيد على أن قدراته الفردية ستسمح له بالحوار المباشر لإنهاء الحروب حول العالم، خصوصاً في الشرق الأوسط.

فيما أكدت هاريس على متابعة التزام الولايات المتحدة تجاه حلفائها مع التعهد بتحسين الظروف الإنسانية في قطاع غزة وإنهاء الحرب هناك. 

إلا أن التجربة التاريخية تقول إن الوعود الانتخابية الوردية حول السياسة الخارجية الأمريكية نادراً ما تتحقق كما هو مأمول.

جو بايدن تعهد مثلاً بإحياء الاتفاق النووي الإيراني عبر الخيار الدبلوماسي.

 ولكن بينما تقترب ولايته الرئاسية من نهايتها نجد إيران أقرب من أي وقت مضى لامتلاك السلاح النووي، ونجد الولايات المتحدة تعزز وجودها العسكري في الشرق الأوسط، وتنسق مع إسرائيل توجيه وتلقي الضربات مع إيران.

يمكننا أن نستحضر بيسر من الذاكرة أمثلة أخرى على التباين بين الوعود والواقع من ولايات دونالد ترامب وباراك أوباما وجورج بوش الابن. 

أخبار ذات علاقة

أمريكي صوت في الانتخابات المبكرة

"فيرمونت" أول المصوتين.. مواعيد فتح مراكز الاقتراع الأمريكية

 

ولكن بدل أن نناقش مدى واقعية الوعود الانتخابية لمرشح رئاسي ما، ربما من المفيد أن نتمعن في ملفات الشرق الأوسط التي سترثها الإدارة الأمريكية المقبلة.

فالتجربة التاريخية تقول إن تعقيدات ملفات المنطقة تتحدى أكثر الأجندات الدولية رصانةً أو طموحًا. هذا ما تقوله، على سبيل المثال، تجربة إدارة باراك أوباما مع الربيع العربي أو حتى مع الاتفاق النووي الإيراني.

قبيل انتخابات 2016 كانت إدارة أوباما تشعر بالغبطة لنجاح المفاوضات النووية الإيرانية، وتقدم المفاوضات التجارية مع إيران لشراء 80 طائرة ركاب من شركة "Boeing" بقيمة 17 مليار دولار، وتطور النقاش بين الطرفين حول سبل متابعة التعاون بين الطرفين تحت غطاء محاربة تنظيم "داعش" الإرهابي. 

وحتى فيما يخص سورية كان وزير الخارجية جون كيري يجري مباحثات ماراثونية مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، خصوصًا في جنيف، للتوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار. 

ولكن في عهد دونالد ترامب انقلب هذان المساران ووصلا لمستوى غير مسبوق من التأزم.

إدارة ترامب انسحبت من الاتفاق النووي الإيراني، وإيران خرقت القيود المفروضة على أبحاثها النووية وبدل أن تبقى بعيدة مدة عام كامل عن امتلاك القدرة على بناء سلاح نووي – كما كان الحال عند توقيع الاتفاق النووي في 2015 – باتت بعيدة شهراً واحداً فقط في نهاية ولاية ترامب. 

وفي سوريا وصلت سريعاً محاولات التفاهم الروسية-الأمريكية لطريق مسدود، بل اصطدم الطرفان عسكرياً لأول مرة في التاريخ، وذلك على ضفاف نهر الفرات في دير الزور في فبراير/شباط 2018.

يمكن تقديم المزيد من الأمثلة حول التدهور في مختلف ملفات الشرق الأوسط مع الانتقال من ولاية أوباما لولاية ترامب.

 إلا أن تحميل مسؤولية هذا التدهور لترامب وحده سيقود لقراءات واستنتاجات خاطئة. فالتدهور في ملفات المنطقة بدأ قبل عهد ترامب، واستمر بعده، في عهد إدارة جو بايدن.

واقع الأمر هو أن ملفات المنطقة باتت شديدة التعقيد والتداخل بما يتجاوز الطروحات السياسية السطحية من جانب الولايات المتحدة، ومحاولة تقديم حلول جزئية وغير واقعية. 

ففيما يخص إيران، لم يكن في ذهن النظام الإسلامي، في 2015، أو في السنوات التالية، تصور لواقع يمكن التعايش فيه مع الولايات المتحدة، حتى وإن كان ذلك مقابل رفع العقوبات الخانقة الخاصة بالملف النووي. 

فذلك الواقع يعني أن الولايات المتحدة لم تعد الشيطان الأكبر، ويعني أنه لم يعد لدى النظام مبرر لمتابعة سياساته الداخلية والخارجية.

النظام في إيران كان يتفاوض مع إدارة أوباما حول الملف النووي، في 2014 و2015، بالتزامن مع توسع هائل لأنشطته في الإقليم، خصوصاً في العراق واليمن وسورية ولبنان. 

ففي العراق الذي يسيطر عليه حلفاؤها السياسيون التاريخيون، وجدت إيران أنه من الأفضل وجود ميليشيات مسلحة تتبع لها صراحةً. وجاءت الفرصة لذلك تحت غطاء "فتوى الجهاد الكفائي" التي أسست الحشد الشعبي لمحاربة تنظيم "داعش".

وفي تلك الفترة أيضاً مضى الحوثيون بعيداً في التوسع وحاولوا الوصول لعدن ذات العلاقة التاريخية الإشكالية مع صنعاء، والبعيدة عن الحاضنة الشعبية الطبيعية للحوثيين في صعدة.

 وفي سوريا، شهد العام 2015 قفزة غير مسبوقة في حضور إيران والفصائل التابعة لها، من "حزب الله" اللبناني إلى لواءي "فاطميون" الأفغاني و"زينبيون" الباكستاني، مروراً بالفصائل العراقية.

وفي لبنان قفزت الترسانة الصاروخية لـ"حزب الله" من حوالي 40,000 صاروخ في 2010 إلى 140,000 في 2015، وبات "حزب الله" يهدد صراحةً بغزو الجليل في شمال إسرائيل. 

في 2014-2015 كان هناك مسارا تحركات من الجانب الإيراني: مفاوضات مع الولايات المتحدة وتوسع ميليشياوي في المنطقة. أحد هذين المسارين كان مناورة للتغطية على الآخر.

مسار التفاوض مع الولايات المتحدة كان مناورة فرضتها اعتبارات براغماتية. والمسار التوسعي الميليشياوي كان ليقود لصدام حتمي عاجلاً أم آجلاً.

 وحتى لو لم تنسحب إدارة ترامب من الاتفاق النووي، فإن التعاون الأمريكي-الإيراني ما كان ليوقف هذا المسار التوسعي.

لنتذكر هنا أن صفقة الطائرات التي أشرنا إليها بقيت تراوح مكانها منذ مطلع 2016 وحتى انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي في مايو/أيار 2018.

 هذه المراوحة في المكان كانت بالدرجة الأولى لأن الحرس الثوري الإيراني لم يكن مستعداً لخسارة مكاسبه الاقتصادية من عمليات تهريب قطع غيار الطائرات لشركات الطيران الإيرانية.

 هذه العمليات تطورت إلى حد بعيد حتى أصبح الحرس الثوري قادراً على الحصول على طائرات كاملة وبيعها للشركات الإيرانية، بل وتصديرها للدول الحليفة لإيران، المشمولة بالعقوبات الأمريكية مثل سوريا وفنزويلا.

في ضوء هذه العوامل يصبح من المفهوم لماذا رفضت إيران الخطة الأوروبية-الأمريكية، المعروفة بـ"وثيقة سبتمبر 2021" لإحياء الاتفاق النووي، وتفضيلها الانحياز إلى جانب روسيا في الحرب الأوكرانية، بالرغم من أن هذه الخطوة ما كانت لتترك لها أي نصير أوروبي.

مسار التحركات الإيرانية خلال العقد الماضي، 2014-2024، هو مثال على محدودية الطروحات السطحية أو الرهان على الدبلوماسية وشراء الوقت التي تلجأ إليها بعض القوى، وعلى رأسها الولايات المتحدة. 

الإدارة الأمريكية الجديدة، سواء أكانت بقيادة كامالا هاريس أو دونالد ترامب، سترث مشهداً غير مسبوق في الشرق الأوسط: تعقيدات هائلة وملفات مختلفة على وشك الانفجار.

هذا الواقع في الشرق الأوسط كان من بين الأسباب التي جعلت "حزب الله" يرفع من سقف تهديداته لإسرائيل في صيف 2023، حتى قبل حرب غزة، وصولاً لحد إجراء مناورات عسكرية علنية تحاكي اختراق الجليل في مايو/أيار 2023.

والعقد السوري يتابع الانفراط مع تنامي النزعات الانفصالية، العرقية والطائفية، وتوالي موجات الهجرة من البلاد عبر البحر إلى أوروبا لتغذي نمو اليمين المتطرف هناك.

أما العراق فلا يزال ينتظر الانفجار الكبير مع تنامي الدين العام وتنامي عجز الموازنة العامة التي تعتمد على النفط بنسبة 90%، ويذهب 40% منها للرواتب والمعاشات التقاعدية لتهدئة احتجاجات العراقيين.

مع استقرار أسعار النفط عند 70 دولاراً سيبلغ عجز الموازنة في 2024 حوالي 50 مليار دولار (30% من الموازنة). 

فكيف سيكون الحال في 2025 وما بعده في العراق؟ وطبعاً يجب ألا ننسى إيران ومسار تبادل الضربات بينها وبين إسرائيل، ومن خلفها الولايات المتحدة.

احتمالات تدهور هذا المسار ليشمل المنشآت النووية الإيرانية يبدو أعلى بكثير من احتمالات العودة إلى المسار السابق. 

ولكن ما هو المسار السابق أساساً؟ أهو المسار السابق لأكتوبر/تشرين الأول 2023؟ أم المسار السابق لانخراط إيران في الحرب الروسية-الأوكرانية أم المسار السابق لانهيار المفاوضات بين الغرب وإيران في خريف 2021؟

التمعن في كل تفصيل من تفاصيل الشرق الأوسط سيكشف المزيد من الملفات القابلة – بل المرشحة – للانفجار في عهد الإدارة الأمريكية المقبلة، وبما لا يشجع على الثقة بالوعود الوردية لكل من هاريس وترامب. 

أخبار ذات علاقة

صورة لترامب لحظة محاولة اغتياله على ظهر أحد مؤيديه

"فايننشال تايمز": تطرف "نادر" في الانتخابات الأمريكية

 

;
logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC