يناقش الكونغرس الأمريكي مصير القيادة العسكرية في أفريقيا "أفريكوم"وسط حديث عن إمكانية إنهاء عملياتها في دول مثل ليبيا.
وفتح ذلك الباب أمام التساؤلات بشأن دلالات الخطوة وتداعياتها المحتملة على الوضع في ليبيا.
وبدأ رئيس القيادة الأمريكية في أفريقيا الجنرال مايكل لانغلي أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ سلسلة من الجلسات لتحديد مصير قوات هذه القيادة، وسط توجه من إدارة الرئيس الجمهوري، دونالد ترامب، إلى تقليص عمليات القوات الأمريكية في الخارج.
وعلق الكاتب والناشط السياسي الليبي، سليمان البيوضي بأن "ليبيا تُمثل أهمية جيو استراتيجية للولايات المتحدة وحلفائها، ولذا فإن اتخاذ قرار بإنهاء التدخل في ليبيا أمر صعب في ظل الظروف القائمة".
وأضاف البيوضي: "لعل البيان المشترك لرؤساء اللجان العسكرية الجمهوريين الذي يعارض أي إصلاح متسرع يعكس حجم التجاذبات بين الكونغرس ومؤسسة الرئاسة".
وأردف: "بل إن البيان المشترك أشار بوضوح إلى حجم مخاوف الكونغرس من مقترح ترامب بالقول إن مثل هذه الإجراءات قد تُقوّض قوة الردع الأمريكية عالميًا، وتُضعف مواقفنا التفاوضية مع خصوم الولايات المتحدة".
وتابع البيوضي في تصريح خاص لـ"إرم نيوز" أنه "كان أمام الولايات المتحدة فرصة لتثبت حسن نواياها لليبيين بالانخراط الإيجابي لصالح حماية الحريات العامة وحقوق الإنسان وتعزيز الديمقراطية ودعم الانتخابات الوطنية" وفق تعبيره.
ووفق قوله فإن الولايات المتحدة "آثرت دعم الميلشيات وعززت حكم العائلات لذا فإن تدخلها سلبي، أما حماية المصالح الأمريكية والنتائج التي حققها أفريكوم فتلك مسألة أخرى".
من جانبه، قال المحلل السياسي والباحث الأكاديمي للدراسات الإستراتيجية والسياسية من ليبيا، محمد امطيريد، إن "مثول الجنرال مايكل لانغلي، قائد القيادة الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم)، أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ الأمريكي، لا يُقرأ فقط كجزء من مراجعة دور القيادة في القارة، بل كمؤشر واضح على مرحلة إعادة تشكيل للوجود العسكري الأمريكي في شمال أفريقيا، خاصة ليبيا".
وأضاف امطيريد لـ"إرم نيوز" أن "هذه الجلسات تأتي في ظل ضغوط متزايدة داخل واشنطن لإعادة توجيه الإنفاق الدفاعي إلى مناطق أخرى أكثر أولوية، وعلى رأسها منطقة المحيطين الهندي والهادئ، بما قد يؤدي إلى دمج أفريكوم مع القيادة الأوروبية في مقر مشترك بألمانيا".
وشدد على أنه "في ليبيا لم تتمكن القيادة الأمريكية من ترسيخ وجود حقيقي على الأرض، اقتصرت مهامها على استهدافات موضعية لبعض العناصر المصنفة إرهابية، دون بناء شراكات أمنية أو دعم مؤسسات الدولة الليبية في مشروعها لتشكيل جيش وطني موحد (..) شرقي البلاد".
وتابع أنه "رغم استقراره النسبي وموقفه الإيجابي تجاه التعاون الأمني، ظل خارج حسابات واشنطن الفعلية، بينما تحركت قوى دولية وإقليمية أخرى بمرونة وثبات لتوسيع نفوذها".
وأكد أن "الطرح الحالي داخل الكونغرس يعكس تراجع ليبيا في أولويات المؤسسة العسكرية الأمريكية.
وأشار إلى أن "هذا التوجه لا يفتح فقط فراغًا محتملاً في الساحة الليبية، بل يمنح مساحات أوسع لقوى دولية منافسة لتعزيز وجودها الأمني والفني، خصوصًا في مناطق الجنوب، حيث تتزايد المؤشرات على ترتيبات إمداد ودعم لوجستي طويل الأمد، يعكس تحركًا ممنهجًا لبناء حضور ثابت" وفق قوله.
وتابع أن "التركيز الأمريكي المتراجع قد يُقرأ لدى بعض الأطراف الليبية كرسالة بعدم الجدية أو حتى التخلي، خاصة في ظل استمرار الاضطراب السياسي وغياب اتفاق نهائي حول إدارة المرحلة الانتقالية".
وذكر أن "الخطورة في هذه اللحظة تكمن في غياب استراتيجية أمريكية بديلة، قادرة على موازنة التأثيرات الدولية المتعددة، وضمان مصالح واشنطن في منطقة حيوية مثل شمال أفريقيا (..) أما ليبيا، فهي تدخل مرحلة جديدة من إعادة التموضع، حيث يُعاد تعريف التحالفات والخصومات، في ظل صمت أمريكي، وانشغال بملفات جيوسياسية أخرى".