تطالب الصين موظفيها العموميين بالحصول على موافقة رسمية مسبقة قبل السفر، لأسباب مختلفة، منها حماية الأمن القومي، ومكافحة الفساد، وخفض التكاليف، إلا أن صحيفة "نيويورك تايمز" تكشف عن خشية بكين من خطر التجسس أيضًا.
ولم يقتصر الحدّ من السفر على الموظفين الكبار أو مواقع حساسة في الدولة، إذ كشفت تعميمات على مدرّسين وممرّضين تحذيرات مثل أن السفر من دون إذن من المدرسة أو المستشفى قد يؤدي إلى الطرد من الوظيفة.
وأُمر بعض معلمي رياض الأطفال والأطباء، وحتى المتعاقدين الحكوميين وموظفي الشركات المملوكة للدولة، بتسليم جوازات سفرهم، فيما تُلزم بعض المدن المتقاعدين بالانتظار عامين لاستعادة جوازات سفرهم.
في العديد من المدن، يتطلب سفر موظفي القطاع العام إلى الخارج، حتى لأسباب شخصية، موافقة رسمية، فيما مُنعت رحلات العمل إلى الخارج لأغراض البحث والتبادل والدراسة الاعتيادية. وفي معظم المحافظات، يُستبعد من درسوا في الخارج من بعض المناصب العامة.
يُشير المسؤولون إلى أسباب مُختلفة، منها حماية الأمن القومي، ومكافحة الفساد، وخفض التكاليف، لكن نطاق القيود اتسع بسرعة، مُطالِبًا موظفين يُصرّحون بأنهم لا يستطيعون الوصول إلى معلومات حساسة أو أموال حكومية، وفق ما نقلت "نيويورك تايمز" عن سبعة موظفين حكوميين.
تعدّ هذه القواعد جزءًا من حملة السلطات المركزية لفرض ما يُسمى بالانضباط السياسي والولاء الأيديولوجي على موظفي الحكومة، إذ نقلت "نيويورك تايمز" عن موظفين اثنين إنهما أُمرا أيضًا بالكشف عن حساباتهما الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي لأصحاب عملهما.
وقالت أخرى إنها اضطرت لإبلاغ صاحب عملها إذا غادرت المدينة التي تعمل بها، فيما منعت بعض الحكومات المحلية موظفي الخدمة المدنية من تناول الطعام في الخارج في مجموعات تزيد على ثلاثة أشخاص، وهي إجراءات جاءت بعد عدة تقارير عن الإفراط في شرب الكحول في الولائم الرسمية.
لكن السلطات تُولي اهتمامًا بالغًا للتواصل الخارجي، فلطالما كانت الحكومة الصينية حذرة من خطر التجسس وما تعتبره قوى أجنبية معادية تسعى لإثارة السخط، ففي يوليو، نشرت صحيفة الشعب اليومية، الناطقة باسم الحزب الشيوعي الصيني، مقالًا يُعلن أن الدبلوماسية الشعبية "قائمة بفضل الحزب" ويجب أن يقودها الحزب.
وقيود السفر المفروضة على بعض موظفي الدولة ليست بجديدة، فمنذ عام 2003، يُطلب من كبار المسؤولين أو من يتعاملون مع أسرار الدولة الإبلاغ عن سفرهم إلى الخارج مسبقًا، وتُبلّغ أسماؤهم لمسؤولي الحدود لمنع الخروج غير المصرح به.
لكن في عهد شي جين بينغ، الزعيم الأقوى في الصين منذ عقود، امتدت الضوابط إلى العمال من مستويات أدنى بكثير، إذ طُلب من الموظفين بدوام كامل في ست قرى صيد قرب مدينة تشوشان، بمقاطعة تشجيانغ الساحلية، تسليم وثائقهم، وفقًا لإشعار حكومي محلي.
ويطلب أحيانًا من المسموح لهم بالسفر إلى الخارج التعهد بعدم تعريض الأمن القومي للخطر أو التحدث بسوء عن الصين أثناء وجودهم بعيدًا عن البلاد.
وليس موظفو الحكومة وحدهم من يخضعون للتدقيق بشأن علاقاتهم الخارجية، فقد حذّرت وكالة أمن الدولة الصينية المواطنين العاديين من مخاطر السفر إلى الخارج، أو من التأهب للأجانب الذين قد يكونون جواسيس.
قالت دونغ مينغ تشو، رئيسة مجلس إدارة شركة جري إلكتريك، وهي إحدى كبرى شركات تصنيع الأجهزة المنزلية الصينية، في وقت سابق من هذا العام إنها ستتجنب توظيف الأشخاص العائدين من الخارج، لأنهم قد يكونون جواسيس.
وأثار هذا الإعلان انتقادات واسعة من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، الذين اعتبروه تعزيزًا للتمييز، وإضرارًا بالقدرة التنافسية العالمية للصين. حتى صحيفة الشعب اليومية نشرت مقال رأي يدافع عن المواهب الأجنبية.
