مسيّرة تستهدف سيارة على طريق بلدة مركبا جنوبي لبنان
قاد النائب في البرلمان البريطاني، ماركوس كامبل سافورز، أحد الوجوه البارزة في الجناح اليميني المعتدل لحزب العمال حملة تمرد غير مسبوقة عصفت بحكومة كير ستارمر، خلال جلسة برلمانية مشحونة فجرت قراراتها غضب الأوساط الشعبية.
حملة التمرد الشرسة التي كان بطلها سافورز تسببت بتعليق عضويته في حزب العمال، وهدفه فيها: سياسة الحكومة المتعلقة بفرض ضريبة الإرث على ممتلكات المزارع العائلية، والتي أطلق عليها المعارضون لقب "الغارة الضريبية" على المزارع التي تزيد قيمتها عن مليون جنيه إسترليني.
ففي صدمة سياسية لم تكن بالحسبان، فاقم سافورز، أمس الأربعاء، على حكومة رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر الأزمات والكوارث، بعد أن كان النائب العمالي الوحيد الذي صوت ضد المقترحات الواردة في مشروع القانون، في حين امتنع العشرات من زملائه في الحزب عن التصويت للإصلاح الضريبي المثير للجدل، والذي يلقي بثقل الضرائب على ملاك المزارع العائلية.
وبحسب تقرير أوردته صحيفة "التلغراف"، تم تعليق عضوية سافورز في حزب العمال من قبل "السوط الرئيسي" للحزب، جوناثان رينولدز، في إجراء يأتي كعقاب قياسي للتصويت ضد سياسة الحكومة، وفقًا لقواعد الحزب، ويجعله نائبًا مستقلًا مؤقتًا.
وانضم إلى حملة التمرد التي قادها سافورز 30 نائبًا، معظمهم من الدوائر الريفية في إنجلترا وويلز، حيث تُشكل الزراعة عماد الاقتصاد المحلي.
هذا التمرد الأكبر منذ تولي حزب العمال الحكم في يوليو الماضي، يهدد بإسقاط جزء من برنامج الحكومة المالي، ويفتح الباب أمام أزمة داخلية قد تعيد إلى الأذهان صراعات حزب العمال التاريخية.
ووصف سافورز الإصلاح بأنه "خيانة للريف البريطاني"، قائلًا: "هذه المزارع ليست مجرد أراضٍ، بل هي تراث عائلات بنت بريطانيا الخضراء على مدى قرون. إذا مُرر هذا الإصلاح، سنفقد ليس فقط المزارع، بل الهوية الوطنية".
وأضاف البرلماني البريطاني: "لا تزال هناك مخاوف عميقة بشأن التغييرات المقترحة على الإعفاء الضريبي للممتلكات الزراعية.
وأردف سافورز بنبرة غاضبة داخل البرلمان أن "التغييرات التي تترك العديد من المزارعين، ولا سيما كبار السن، الذين لم يتخذوا بعد الترتيبات اللازمة لنقل الأصول، مدمرين بسبب تأثيرها على مزارع عائلاتهم".
وتابع "دعوني أوضح، لو كان التصويت اليوم حقيقيًا، لقمت بالتصويت ضد خطط الحكومة. لست متمردًا، بل معتدلًا، ولكن خلال الانتخابات، قرأت ما ظننته تأكيدات من حزبي بأنه ليس لدينا أي خطط لإدخال تغييرات على قانون الضرائب السنوي".
وأكد سافورز "بناءً على ذلك، طمأنت المزارعين في دائرتي الانتخابية بأننا لن نفعل ذلك. والآن، ببساطة، لست مستعدًا للنكوص عن وعدي".
ودافعت فيكتوريا أتكينز، وزيرة البيئة في حكومة الظل، عن سافورز، قائلة إنه "النائب العمالي الوحيد الذي يتمتع بالشجاعة الكافية للتصويت ضد ضريبة المزارع العائلية والأعمال التجارية العائلية".
وأضافت أتكينز: "لقد أوقفه كير ستارمر الآن عن العمل في الحزب. إنهم يهتمون بحزبهم أكثر من اهتمامهم ببلدهم"، وفق تعبيرها.
ويحذر الخبراء من هذه "الغارة الضريبية"، كما يصفها المعارضون، حيث قد تُجبر آلاف المزارعين على بيع أراضيهم، ما يُهدد بإغلاق 20 ألف مزرعة صغيرة خلال العقد القادم، وفقًا لتقديرات الاتحاد الوطني للمزارعين (National Farmers' Union – NFU)، الذي يُمثل 90% من المزارعين البريطانيين.
بعد 14 عامًا من حكم حزب المحافظين البريطاني، فاز العمال بانتخابات يوليو 2024 بأغلبية ساحقة، بقيادة كير ستارمر الذي وعد بـ"التغيير" لإنعاش الاقتصاد البريطاني الذي يترنح من تبعات "البريكست" وأزمات الطاقة.
لكن الواقع المالي القاسي كما يقول المراقبون، دفع ستارمر إلى إصلاحات ضريبية جريئة، بما في ذلك تغيير نظام الضريبة على الإرث (Inheritance Tax)، الذي يُفرض حاليًا بنسبة 40% على الأصول التي تتجاوز 325 ألف جنيه إسترليني (حوالي 420 ألف دولار أمريكي).
الإصلاح الجديد المعلن في ميزانية الخريف، يهدف إلى فرض هذه الضريبة على قيمة الأراضي الزراعية بنسبة كاملة، ما يُعيد النظر في الإعفاءات التاريخية التي كانت تحمي المزارع العائلية من الانهيار عند انتقال الملكية بين الأجيال.
هذه الإعفاءات المعروفة باسم "Agricultural Property Relief"، كانت تُعتبر "خط الحياة" للقطاع الزراعي البريطاني، الذي يُشكل عماد الاقتصاد الريفي ويوفر فرص عمل لمئات الآلاف.
ويواجه القطاع الزراعي في بريطانيا، الذي يُسيطر عليه بنسبة 60% مزارع عائلية صغيرة، ضغوطًا هائلة بالفعل جراء ارتفاع تكاليف الطاقة بنسبة 30% منذ 2022، إلى انخفاض الدعم الأوروبي بعد "البريكست"، بالإضافة إلى تغيرات المناخ التي أدت إلى خسائر فادحة في المحاصيل.
وهذا الإصلاح، الذي يتوقع أن يدر دخلًا إضافيًا قدره 1.5 مليار جنيه إسترليني سنويًا (حوالي 1.95 مليار دولار)، يعنى بتمويل برامج الرعاية الصحية والتعليم.
وتتربع الآثار الاقتصادية والسياسية بعد خطوة ستارمر الضريبية على المشهد ككل في بريطانيا، في حين تلوح في الأفق نذر انهيار محتمل لحكومة ستارمر، بحسب مراقبين.
لكن الخبراء الاقتصاديين يحذرون من أن التكلفة الحقيقية قد تكون أعلى، حيث سيؤدي ذلك إلى تركيز الملكية في أيدي الشركات الكبرى، ما يُقلل التنوع الزراعي ويزيد الاعتماد على الواردات، في الوقت الذي قد تُواجه فيه بريطانيا من أزمة غذائية حادة.
ويرى مراقبون أن هذا التمرد الخطير يمثل اختبارًا حاسمًا لستارمر، الذي وعد بـ"حزب موحد" بعد سنوات من الصراعات الداخلية في عهد جيريمي كوربن.
وإذا نجح التمرد في تعديل الإصلاح، يتوقع الخبراء أن يُشجع معارضة داخلية أوسع، أما إذا قمع، فمن المرجح أن يُفقد الحكومة دعم الدوائر الريفية، التي تصوت تاريخيًا لصالح المحافظين، في أزمة لا تمثل مجرد خلاف ضريبي، بل صراع بين الضرورات المالية والتراث الريفي، وفق قولهم.
تعليقًا على أحداث البرلمان أمس، قال متحدث باسم الحكومة إننا "نشعر بحزن عميق إزاء هذه المآسي التي يعيشها المجتمع الزراعي. ندرك أن المزارعين والمجتمعات الريفية يواجهون ضغوطًا هائلة، ونحن ملتزمون بضمان حصولهم على الدعم الذي يحتاجونه، بما في ذلك من خلال إنشاء مراكز للصحة النفسية".
وأضاف "لقد عمل الوزراء على التواصل مع مجموعات وممثلي المزارعين على مدار العام للاستماع إلى مخاوفهم وفهم الصعوبات التي يواجهونها.. لا نزال ملتزمين بدعم المزارعين البريطانيين والمجتمعات الريفية خلال هذه الأوقات الصعبة لضمان مستقبل قوي ومستدام".
ومع اقتراب التصويت البرلماني الأسبوع المقبل، تترقب الأوساط السياسية في بريطانيا بحذر مصير حكومة ستارمر من "تمرد المزارعين"، والذي ينذر ببداية سلسلة جديدة من الزلازل الداخلية.
ويأتي هذا التمرد وسط استعداد المجتمع الزراعي لتطبيق خطط حكومة ستارمر للنظام الضريبي الجديد في أبريل 2026، الذي تسبب فور الإعلان عنه، بانتحار المزارع جون تشارلزورث، في أكتوبر 2024، وبررت عائلته ذلك حينها بخوفه من قرار زيادة ضريبة الإرث على الممتلكات الزراعية.