بعد 8 أيام من إغلاق صناديق الاقتراع في الانتخابات الرئاسية بالكاميرون، أعلنت اللجنة الوطنية لفرز الأصوات فوز الرئيس المنتهية ولايته بول بيا بنسبة 53.66% من الأصوات، متقدمًا على منافسه الرئيسي عيسى تشيروما باكاري الذي حل ثانيًا بنسبة 35.19%.
وذكرت مجلة "جون أفريك" أن الأرقام، التي يفترض أن تكون نهائية، لم تُنهِ الجدل، بل فتحت الباب على مصراعيه أمام أزمة ثقة جديدة في العملية الانتخابية التي شهدت نسبة مشاركة مثيرة للجدل في بعض المناطق.
تشكيك المعارضة
وقوبلت النتائج التي أعلنتها اللجنة، والموقعة من مختلف الأحزاب السياسية يوم 20 أكتوبر/تشرين الأول، برفض من قبل عيسى تشيروما باكاري، الذي اعتبر أن النسب لا تعكس الحقيقة الميدانية.
فبحسب محاضر لجانه الانتخابية، تقدّم باكاري في ولايتي أداماوا وليتورال، بينما اكتسح بول بيا المناطق الجنوبية والشرقية والوسطى، بالإضافة إلى المنطقتين الناطقتين بالإنجليزية.
وأشارت التقارير إلى أن اللجنة واجهت صعوبات خلال عملية الفرز، خصوصًا في مقاطعة لوغون وشاري، حيث اضطر رئيسها إميل إيسومبي إلى إعادة فرز المحاضر المثيرة للجدل، في حين استُبعدت محاضر الجالية في الخارج لعدم وجود لجنة فرز محلية.
ورغم محاولات اللجنة تأكيد شرعية الأرقام، اعتبرت المعارضة أن هناك "تناقضًا فاضحًا" بين محاضرها ومحاضر الهيئة الانتخابية Elecam، التي تُعتمد رسميًّا كمصدر وحيد للنتائج في حال وجود خلاف.
ودفع هذا التناقض ممثل شبكة PCRN إلى مواجهة علنية مع رئيس اللجنة، قبل أن ينسحب ممثل حزب FSNC احتجاجًا على "نسب مشاركة غير واقعية" في المناطق التي تشهد اضطرابات أمنية.
وكانت أحد أكثر النقاط إثارة للجدل، هي نسب المشاركة المعلنة في مناطق النزاع؛ فبينما تراوحت نسبة المشاركة في المناطق الآمنة حول 50%، تجاوزت 90% في مناطق "فرّ سكانها من الحرب"، على حد تعبير ممثلي المعارضة.
وفي مقاطعة نديان جنوب غربي البلاد، بلغت نسبة المشاركة 92.1%، وحصل بول بيا على 98.9% من الأصوات مقابل 0.03% فقط لعيسى تشيروما باكاري، ما أثار تساؤلات حول مصداقية النتائج.
ودفعت هذه الوقائع حزب FSNC إلى الانسحاب من العملية الانتخابية، معتبرًا أن المعطيات “مفبركة” وأن "الاقتراع تم توجيهه مسبقًا".
معركة الأرقام
في خضم الجدل، لجأ فريق عيسى تشيروما باكاري إلى نشر محاضر مراكز الاقتراع عبر حسابه الرسمي على "فيسبوك" يوم 19 أكتوبر/تشرين الأول، مؤكدًا أن نتائجه الخاصة تستند إلى 18 دائرة انتخابية استراتيجية تمثل نحو 80% من الناخبين المسجلين البالغ عددهم 8 ملايين.
في المقابل، أتاحت الحكومة روابط إلكترونية لقاعدة بيانات محاضر المناطق الرئيسية، من بينها ووري ومايو ري ومونغو، مؤكدة التزامها بالشفافية.
غير أن المعارضة، وعلى رأسها اتحاد التغيير الداعم لباكاري، أعلنت أن مرشحها حصل فعليًّا على 62% من الأصوات، لتبدأ بذلك معركة الأرقام بين الطرفين.
ومع تصاعد الاتهامات بالتزوير، دعت الحكومة جميع الأطراف إلى انتظار الحكم النهائي للمجلس الدستوري، المقرر صدوره في موعد أقصاه 26 أكتوبر/تشرين الأول.
ورغم رفض تشيروما باكاري تقديم طعن رسمي، فإن موقفه الرافض للنتائج يشير إلى استمرار حالة الاستقطاب السياسي في البلاد، التي لا تزال تبحث عن توازن بين الشرعية الانتخابية وثقة الشارع في مؤسساتها.
يظهر المشهد الانتخابي في الكاميرون اليوم وكأنه صراع مزدوج بين الأرقام والشرعية. فبينما تسعى الحكومة إلى تأكيد فوز بول بيا بصفته "الخيار المستقر"، ترى المعارضة في النتائج دليلًا على غياب النزاهة في إدارة الاقتراع.
ومع اقتراب إعلان المجلس الدستوري لقراره، تبدو الكاميرون أمام اختبار سياسي حاسم قد يرسم ملامح مستقبلها الداخلي في السنوات المقبلة.