يثير مشروع القانون الذي يدعمه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والمتعلق بالنفقات والضرائب، والذي يُطلق عليه الأخير "مشروع القانون الكبير الجميل"، جدلا واسعا في الأوساط السياسية والإعلامية.
وقد تجاوز مشروع القانون مؤخرا الخطوة الأهم بموافقة مجلس الشيوخ عليه، بعد أن تعطّل سابقًا من قِبَل أعضاء جمهوريين في الكونغرس، يُعتقد أنهم حصلوا على "رِشاً سياسية" تخدمهم في ولاياتهم ومدنهم، مقابل عدم معارضتهم لمشروع القانون.
وأوضح خبراء في الاقتصاد السياسي والشؤون الأمريكية لـ"إرم نيوز" أن الجدل المثار حول مشروع القانون يعود إلى عدة اتهامات، يروّج بعضها الديمقراطيون، بأنه يخدم في المقام الأول رجال المال والأعمال والشركات الكبرى التي ستستفيد من خفض الضرائب، في وقت يسوّق فيه ترامب القانون على أنه أداة لتعزيز النمو وجذب الاستثمارات الأجنبية، وتمتين الرسوم الجمركية في سياق المواجهة التجارية مع الصين.
وأشار الخبراء إلى أن الاتهامات تطال القانون أيضًا بأنه يخدم مصالح ترامب التجارية الخاصة، ويُعدّ بمثابة سداد لفاتورة الدعم الانتخابي الذي حصل عليه من الشركات ورجال الأعمال خلال حملته، على حساب المواطن الأمريكي الذي بات يعاني من ارتفاع الأسعار وتزايد التضخم منذ تولّي ترامب الحكم.
وكان مجلس الشيوخ، الذي يهيمن عليه الجمهوريون، قد أقرّ مشروع القانون بعد تصويت دراماتيكي استمرّ لساعات. ووفقًا لوكالة "أسوشيتد برس"، طلب ترامب من الجمهوريين إلغاء عطلاتهم وتقديم مشروع القانون بحلول الرابع من يوليو.
ويتألف التشريع من نحو 940 صفحة، ويتضمّن مجموعة واسعة من الإعفاءات الضريبية وتخفيضات الإنفاق وأولويات الحزب الجمهوري، من بينها تمويل جديد للدفاع الوطني وعمليات الترحيل.
صفقة داخلية لتمرير القانون؟
قال الخبير في الشؤون الأمريكية، أحمد ياسين، إن أكبر عقبة كانت تواجه مشروع القانون هي وجود سبعة أعضاء جمهوريين في مجلس الشيوخ، يُفترض أنهم يدعمون ترامب، إلا أنهم عارضوا مشروع القانون، معتبرين أنه يهدد فرص الحزب الجمهوري ومرشحيه في انتخابات التجديد النصفي المقبلة.
وأكد ياسين في تصريحات لـ"إرم نيوز" أن ترامب عمل بشكل مباشر على توحيد صفّه الجمهوري عبر اجتماعات مع النواب المعارضين لحشد الأغلبية المطلوبة. وقد شارك في هذه المهمة زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ، جون ثون، الذي تولّى إقناع هؤلاء الأعضاء عبر تقديم وعود بمزايا في ولاياتهم، تدخل ضمن ما يسمى بـ"الرشوة السياسية".
وبيّن ياسين أن هذه الوعود تمثّلت على الأرجح في حزم معيشية واجتماعية أو مشاريع استثمارية لتوفير فرص عمل، وهي التي ساعدت في النهاية على تمرير القانون بعد أن كان يواجه عرقلة من داخل الحزب الجمهوري ذاته.
رهانات اقتصادية كبرى
من جانبه، يرى الباحث في الاقتصاد السياسي علي شاهين، أن مشروع القانون يُعدّ من أهم رهانات ترامب السياسية والاقتصادية، حيث يسعى من خلاله إلى ترشيد الإنفاق العام، لا سيما فيما يتعلق بالبرامج الإعلامية والحقوقية والإنسانية التي تُموّل من الخزينة الفيدرالية ولا تحقق، بحسبه، مردودا سياسيا أو اقتصاديا واضحا.
وأشار شاهين إلى أن القانون يستهدف أيضا تقليص المخصصات الموجّهة إلى المهاجرين، خاصة في مجالات الصحة والتعليم والخدمات الاجتماعية، بدعوى أنهم لا يسهمون في دعم الخزينة الأمريكية، وهو ما ينسجم مع الخطاب المعادي للهجرة الذي يتبناه ترامب.
وأكد أن جزءا كبيرا من بنود القانون يصبّ في مصلحة الشركات الكبرى التي ستستفيد من تخفيضات ضريبية كبيرة، ويقدّم ترامب ذلك على أنه وسيلة لجذب الاستثمارات وتعزيز النمو الصناعي، ووسيلة أيضا لتحسين الميزان التجاري، خاصة في مواجهة الصين.
وأوضح شاهين أن الديمقراطيين يعيدون صياغة هذا الخطاب لتقديمه كدليل على أن القانون يخدم مصالح ترامب الشخصية، ويرتبط بتسديد التزامات انتخابية لمن دعموا حملته، فيما يتحمّل المواطن الأمريكي الأعباء الناتجة عنه من ارتفاع الأسعار وزيادة التضخم.
وختم قائلاً إن ترامب يؤكد أن التخفيضات الضريبية المنصوص عليها في القانون ستُشجّع التصنيع المحلي، وتُقلّل التضخم، وتزيد النمو الاقتصادي، وتُقلّص عجز الميزان التجاري؛ وهو ما تشكّك به مراكز التقييم المالي في الولايات المتحدة.