أسئلة كثيرة تتكرر هنا على كافة المستويات القيادية الديمقراطية المعارضة حول كيفية استفادة الحزب الخاسر في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، من هذه الأزمة التي لن تقف آثار انعكاساتها على العلاقة الثنائية بين دونالد ترامب الذي يمتلك النفوذ السياسي الأكبر في البلاد، وحليفه السابق إيلون ماسك صاحب النفوذ المالي الأوسع في الولايات المتحدة.
وفي حسابات الديمقراطيين السريعة في هذه الأزمة، فإن الخيار الاستراتيجي الذي اتبعه الحزب في اللحظة الراهنة هو التزام الصمت ومراقبة الوضع من بعيد، والاستفادة من التراشق اللفظي بين الرجلين علنًا، والعمل من خلال منصات الحزب وتوجهاته السياسية والإعلامية على إظهار الافتقار الى أخلاقيات الاختلاف السياسي في سلوك الرجلين، وانغماسهما في حسابات شخصية بحتة، بعيدًا عن مراعاة القضايا التي تشغل الرأي العام الأمريكي، وهي في مجملها مرتبطة بحالة التضخم والأسعار التي تسوء أكثر مما كانت عليه في عهد إدارة جو بايدن.
هذه الاستفادة من مجريات الأحداث على منصة "إكس"، ومن وراء ذلك على شبكات التلفزيون الأمريكية، وانغماس الصحافة المكتوبة والمواقع الإخبارية في البحث بخلفيات الخلاف، وكيف انتهى إلى هذا المستوى غير المسبوق من التراشق في تاريخ المكتب البيضاوي.
في الجانب الآخر، هناك خطة موازية، إذ يعمل الديمقراطيون على استغلال هذا الخلاف بالصورة القصوى من خلال سعيهم الى إقناع الأعضاء الجمهوريين في مجلس الشيوخ بصحة وجهة نظر ماسك فيما يتعلق بالمخاوف المرتبطة بتمرير مشروع الإصلاح الضريبي والموازنة، الذي يقترحه ترامب، وصادق عليه مجلس النواب قبل أيام قليلة، وبفارق صوت واحد، ولايزال مصيره معلقًا إلى حين تصويت مجلس الشيوخ.
وفي هذا الصدد، يقول قادة ديمقراطيون، لـ"إرم نيوز"، إن خلاف ترامب وماسك حول المشروع، والحملة الشعواء التي أطلقها ماسك ضد القانون تعتبر هدية مجانية قدمها ماسك للديمقراطيين في المجلس، أولًا من خلال إظهار صحة موقفهم أمام الرأي العام الأمريكي، وكذلك أمام الغرماء الجمهوريين، بأن تلك الاعتراضات التي طرحت في الغرفة الأولى على القانون هي القرار الصائب الذي يجب اتخاذه تجاه مقترح ترامب، وثانيًا من خلال جعل تلك الأوصاف التي أطلقها ماسك على القانون المحفز الأساسي لجر الجمهوريين المترددين إلى صف الديمقراطيين برفض التصويت على القانون، وأن اتخاذ هذا الموقف الآن لن يضر بصدقيتهم السياسية لدى القواعد المؤيدة للرئيس ترامب، طالما ان أكبر حلفاء الرئيس يصف القانون بتلك الأوصاف البشعة، وقال إن المشرعين الذين صوتوا عليه في الغرفة الأولى ارتكبوا خطأ كبيرًا، وبالتأكيد لن تكون هناك مصلحة أن يكرر الشيوخ الجمهوريين خطأ زملائهم النواب في الغرفة الأولى.
ويطرح الديمقراطيون مبادرة جادة تتمثل في إمكانية ضم الأعضاء الجمهوريين الستة الذين أظهروا حتى الآن تحفظًا علنيًا من مضمون مشروع الرئيس للموازنة، وهذا العدد إن صوت إلى جانب الديمقراطيين عند عرض المشروع أمام الغرفة الثانية، سيكون من الاستحالة بمكان مرور المشروع حتى لو استعانت الأغلبية الجمهورية الضئيلة بصوت نائب الرئيس، جي دي فانس، لصناعة الفارق، فلن يكون ذلك كافيًا لمؤيدي ترامب للحصول على الأغلبية التي تسمح بمرور المشروع أمام مجلس الشيوخ.
ويوضح القادة الديمقراطيون، لـ "إرم نيوز"، أنه في حالة نجاحهم في تحقيق هذا السيناريو، سيكون هذا الأسبوع هو أسبوعهم الأفضل منذ خسارتهم الانتخابات في نوفمبر الماضي، لأنهم سوف يظهرون أمام الرأي العام الأمريكي بأنهم هم من يحملون الأجندة التي تهدف إلى حماية طبقة العمال الأمريكيين، والطبقة الوسطى، وأن ترامب وفريقه الحكومي بعيدون كل البعد عن القضايا التي تشكل أولويات للأمريكيين.
الأكثر أهمية من هذا المكسب السياسي على المستوى العام، هو أن الرئيس ترامب سوف يواجه حينها الخسارة السياسية الأكثر ألمًا له شخصيًا، قبل أعضاء إدارته، منذ فوزه في انتخابات نوفمبر، لأنه سيكون مضطرًا إلى العودة إلى أرض الواقع، والإدراك بأنه لن يستطيع الحكم منفردًا في واشنطن دون تقديم تنازلات، ومشاركة الديمقراطيين في قراراته الكبرى.
ومنذ نوفمبر الماضي، لم تتوفر للحزب الديمقراطي فرصة أفضل من هذه اللحظة في العاصمة واشنطن، وسط ظروف ظهر معها الحزب وكأنه مشتت الخيارات، ويفتقد إلى الخطاب الموحد، والأسوأ من ذلك افتقاده للقيادة الحقيقية القادرة على الأخذ بيد قواعده في هذه المرحلة القلقة من تاريخ الحزب السياسي.
وسيكون هذا هو الهدف الاستراتيجي الذي يعمل لأجله قياديو الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ في الفترة المتبقية لموعد التصويت في الرابع من يوليو المقبل.
وتمامًا، مثلما كان مرور مشروع القانون أمام مجلس النواب لحظة معقدة بالنسبة للرئيس ترامب ومؤيديه في المجلس، وعلى رأسهم مويده وحليفه رئيس مجلس النواب مايك جونسون والنواب الأعضاء في حركة "الماغا" "لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى"، سيكون موعد عرض المشروع للنقاش أمام مجلس الشيوخ لحظة أكثر تعقيدًا بالنسبة لإدارة ترامب.
ويعتقد الأعضاء الديمقراطيون أن بإمكانهم الحصول على تأييد الأعضاء الجمهوريين الذين لا يطمحون إلى تجديد عهداتهم النيابية في انتخابات التجديد النصفي العام المقبل، وبالتالي فإن هؤلاء سيكونون بعيدين عن الضغط السياسي الذي يمكن أن يمارس عليهم من القواعد الناخبة المؤيدة للرئيس ترامب في ولاياتهم التي يأتون منها.
وفي حال تحقق هدف الديمقراطيين في شق صف الجمهوريين، سيكون ترامب أمام معضلة هي خارج تقديره بعد ذلك الاعتقاد الذي عاشت عليه هذه الإدارة، بأنها ستكون مطلقة اليد في واشنطن، في ظل الإهتزاز الذي يعيشه الحزب الديمقراطي بالمرحلة الحالية، إضافة إلى اعتقادهم أن حركة "الماغا" الآن باتت هي القوة الحقيقية للحزب الجمهوري، وأن النواب والشيوخ الطامحين للاستمرار في مبنى الكابيتول سيكون عليهم مراعاة مستقبلهم السياسي، قبل إظهار أي معارضة علنية لأجندة الرئيس ترامب، إضافة إلى كون الأغلبية المتاحة للجمهوريين في مجلسي النواب والشيوخ سوف تسمح بالتصرف التشريعي المريح على الأقل خلال العامين الأول والثاني من عمر إدارة ترامب.