ألغت بريطانيا تمويلها الموعود للمجموعة الفرنسية "توتال إنرجيز" في مشروع لإنتاج الغاز الطبيعي المسال في موزمبيق، معلّلة ذلك بالمخاطر وتهديدات المتطرفين في الموقع، بينما سارت هولندا على نفس الخط بالانسحاب من المشروع.
ومرت شركة "توتال إنرجيز" ومشروعها المثير للجدل لإنتاج الغاز الطبيعي المسال في موزمبيق بيوم عصيب بعد أن خسر اثنين من الداعمين الحكوميين على التوالي.
وأعلنت الحكومة البريطانية انسحابها من تمويل بقيمة 1.15 مليار دولار (حوالي مليار يورو) مُنح لمشروع الغاز الطبيعي المسال في موزمبيق من خلال وكالة تمويل الصادرات البريطانية.
وبحسب بيان صادر عن وزير الدولة للتجارة والصناعة، بيتر كايل، فإن أسباب التعليق هي "المخاطر المرتبطة بالمشروع، والتي تزايدت منذ العام 2020"، كما أنه استثمار تعتقد الحكومة البريطانية أنه لن يخدم "مصالح دافعي الضرائب" ولا "مصالح بلدنا".
وفي مارس 2021، أسفر هجوم مميت شنته ميليشيا الشباب، التابعة لتنظيم داعش عن مقتل وفقد أكثر من 1400 شخص، وفقًا لتقديرات صحفية بمن فيهم مواطن بريطاني. ودفع هذا شركة توتال إنرجيز إلى تعليق المشروع في الشهر التالي، متذرعةً بـ"القوة القاهرة ".
وأعقب ذلك صدمة ثانية، هذه المرة من هولندا، ففي رسالة إلى البرلمان الهولندي، أعلنت الحكومة وهي دائن عام آخر لشركة موزمبيق للغاز الطبيعي المسال، انتهاء مشاركتها في التمويل. ووفقًا للرسالة، فإن "توتال إنرجيز" هي من بادر بهذا الانسحاب. وجاء هذا على الرغم من أن شركة النفط والغاز متعددة الجنسيات تعتزم استئناف أعمال البناء قريبًا، بعد أن أبلغت السلطات الموزمبيقية، في 25 أكتوبر، بنيتها رفع إعلان القوة القاهرة.
واختارت الحكومة الهولندية أن تنشر، إلى جانب رسالتها إلى البرلمان، محتويات تقرير مستقل طلبت إعداده بشأن انتهاكات حقوق الإنسان المحتملة التي ارتكبها الجنود الموزمبيقيون ضد المدنيين في كابو ديلجادو.
هذه الوثيقة المكونة من 42 صفحة، والمؤرخة في 7 نوفمبر 2025، تؤكد وجود انتهاكات هيكلية لحقوق الإنسان من قِبل قوات الأمن الموزمبيقية في المنطقة.
وفي وقت سابق كشفت صحيفة "بوليتيكو" ثبوت أعمال عنف ارتكبها جنود مكلفون بحراسة محطة الغاز، الممولة جزئيًا من قِبل شركة "توتال إنرجيز"، في صيف عام 2021. ومن النتائج الرئيسة الأخرى استمرار عدم الاستقرار في مقاطعة كابو ديلجادو، حيث يقع مصنع موزمبيق للغاز الطبيعي المسال، وعدم مراعاته الكافية لما يعد مخاطر "كبيرة" على المديين القصير والطويل.
ويُعيد انسحاب المملكة المتحدة وهولندا ترتيب الأوراق المالية للمشروع، الذي تُعدّ "توتال إنرجيز" قائدته، والمساهم الرئيس فيه بحصة 26.5%، إلى جانب مستثمرين موزمبيقيين وآسيويين، وسط تساؤلات إن كان الأمر يُضعف استمراره أو يُهدده.
ويقول الخبراء، إنه من الناحية المالية البحتة، لم تُمثّل المساهمات البريطانية والهولندية سوى جزء صغير من إجمالي مشروع الغاز الطبيعي المُسال في موزمبيق، والذي تبلغ قيمته حوالي 20 مليار دولار، ويشارك فيه حوالي 30 مؤسسة مالية عامة وخاصة.
ويمكن لشركة النفط والغاز الفرنسية متعددة الجنسيات الاعتماد على دعم إدارة دونالد ترامب، حيث وافقت وكالة ائتمان الصادرات الأمريكية بالفعل على قرض بقيمة 4.7 مليار دولار. ومع ذلك، فإن إعلانات الأول من ديسمبر تُجبر "توتال إنرجيز"، الآن، على إيجاد تمويل جديد.
وتُعزز هذه الإجراءات أيضًا موقف منظمات حقوق الإنسان والمنظمات البيئية غير الحكومية، التي تُعارض المشروع بشدة، وتصفه بـ"قنبلة كربونية"، إذ يُعدّ الغاز وقودًا أحفوريًا مسؤولًا عن تغير المناخ. وتُجرى حاليًا، شكاوى وتحقيقات مُتعددة، مما يُسهم في زيادة الوعي بالمخاطر التي يُواجهها السكان المحليون.
والشكوى الأخيرة، التي قُدِّمت، في 17 نوفمبر، إلى مكتب المدعي العام الفرنسي لمكافحة الإرهاب من قِبَل المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان تزعم "التواطؤ في جرائم حرب" ضد شركة توتال إنرجيز وأشخاص مجهولين.
وتعتقد توتال إنرجيز أنها اتخذت، دائمًا، التدابير اللازمة لضمان سلامة هذا المشروع وحماية حقوق الإنسان، ولكن من الواضح أن الحكومة البريطانية لم تكن مقتنعة، هذا ما قاله هنري ثوليز، أحد محامي المدعين في التحقيق القضائي المفتوح في فرنسا في مذبحة مارس 2021.