قبلت محكمة في أنقرة النظر في اتهامات قدمتها النيابة العامة ضد موظفين في بلدية العاصمة الكبرى، التي يديرها حزب الشعب الجمهوري المعارض، في أكبر تهديد لسمعة رئيس البلدية منصور يافاش.
وظلت القضية في إطار الاتهامات منذ الشهر الماضي، قبل أن تقبل المحكمة الجنائية العليا في أنقرة النظر فيها، وستُحدد موعداً ومكاناً للجلسة الأولى التي يحاكم فيها 14 متهماً حول وجود مخالفات في النفقات المتعلقة بالحفلات الموسيقية التي نظمتها بلدية أنقرة بين عامي 2021 و2024.
والمتهمون الـ 14 هم مسؤولون وموظفون في البلدية وشركات خاصة متعاقدة معها، وبينهم 5 موقوفين، بينما يحاكم البقية طلقاء.
وتطالب لائحة الاتهام بعقوبات سجن يصل أقصاها إلى 31 عامًا و6 أشهر بتهمة الاختلاس، وبين المتهمين رؤساء أقسام ومدراء سابقون وحاليون في الشؤون الثقافية والاجتماعية في بلدية أنقرة، بجانب موظفي ومسؤولي شركات خاصة.
وتستند الاتهامات إلى تسبب المتهمين بخسائر نجمت عن مدفوعات لا تتوافق مع القيمة السوقية في تكاليف الحفلات الفنية، في 32 عملية شراء لخدمات الحفلات الموسيقية، وخسارة أكثر من 154 مليون ليرة تركية (أكثر من 3.6 مليون دولار) بسبب التعاقد المباشر مع شركة واحدة، بدلاً من نظام المناقصات ومشاركة عدة شركات متنافسة.
وقالت محطة "NTV" التلفزيونية المحلية إن المتهمين كانوا على اتصال مع بعضهم بعضا، وبينهم محادثات عبر تطبيق "واتس آب" حول الحفلات الفنية، وقد تم رصد تلك الاتصالات والمحادثات خلال عمليات البحث التي أجريت وفقًا لقرار قضائي.
وظل اسم رئيس بلدية أنقرة، منصور يافاش، خارج تلك الاتهامات في القضية، حتى قبل نحو أسبوع عندما طلبت النيابة العامة في أنقرة الإذن من وزارة الداخلية لإجراء تحقيق مع يافاش ذاته في القضية.
ومن شأن الزج باسم يافاش في القضية أن يؤثر في سمعته السياسية، فهو محامٍ تركي بارز في حزبه، وشخصية سياسية قادرة على تمثيل الحزب في الانتخابات الرئاسية، بعد أن اكتسح الانتخابات المحلية في أنقرة مرتين متتاليتين في 2019 و2024، بأعلى نسبة أصوات اقتربت من 60% أمام منافسه من حزب العدالة والتنمية الحاكم.
ويعد هذا السيناريو الأسوأ بالنسبة له ولحزبه، أن يرد اسمه ضمن القضية بوصفه متهماً أو مسؤولاً، مع سير التحقيقات في الفترة المقبلة، في سيناريو مشابه لما جرى في بلدية إسطنبول في 19 مارس/آذار الماضي، عندما اعتقلت الشرطة رئيس بلديتها الكبرى المنتمي لحزب الشعب أيضاً، أكرم إمام أوغلو، بتهم فساد، ولا يزال مسجوناً حتى الآن.
وأثارت القضية منذ الشهر الماضي غضب حزب الشعب الجمهوري وزعيمه أوزغور أوزيل، الذي يتهم الحكومة بالوقوف خلف تلك الاتهامات وتعمد الإساءة لسمعة بلدية أنقرة، عبر اعتقال المتهمين في الصباح الباكر من منازلهم بدلاً من استدعائهم والتحقيق معهم طلقاء لحين ثبوت أدلة ضدهم.
وبدا الحزب مستعداً لمسار مماثل لما جرى في إسطنبول، في حال تعرض رئيس بلدية أنقرة لمزيد من الضغوط، فقد كرر زعيم الحزب أوزغور أوزيل وكبار نواب وسياسيي الحزب مساندتهم ليافاش، وحضرت صوره واسمه بجانب إمام أوغلو في الميادين وحملات التضامن الإلكترونية في الفترة الماضية.
ولدى حزب الشعب الجمهوري 17 رئيس بلدية كبرى وفرعية جرى سجنهم بتهم فساد في قضايا تتعلق بالمناقصات والمدفوعات، بينهم أكرم إمام أوغلو الذي تسبب اعتقاله في مارس/آذار الماضي بتنظيم حزبه احتجاجاً كبيراً استمر لأيام، وشهد اعتقال الشرطة مئات المحتجين، قبل أن يقرر الحزب إنهاء الاحتجاج وتنظيم تجمعات لمؤيديه بلغ عددها أكثر من 60 تجمعاً حتى الآن.
وكشف زعيم الحزب أوزيل عن أن يافاش هو مرشح الرئاسة البديل، إذا لم يتمكن إمام أوغلو من الترشح بسبب السجن والعزل السياسي، وهو المرشح المحتمل الأوفر حظاً في الفوز برئاسة تركيا بعد أن فاز بدورتين متتاليتين في رئاسة بلدية إسطنبول، التي تتمتع بمكانة سياسية واقتصادية وانتخابية كبيرة، ومنها جاء الرئيس رجب طيب أردوغان لرئاسة الحكومة قبل أكثر من 20 عاماً.
ويمثل أوزيل وإمام أوغلو ويافاش ورؤساء البلديات المعتقلون فريقاً إصلاحياً في حزب الشعب الجمهوري استطاع اكتساح الانتخابات المحلية العام الماضي لأول مرة على حساب حزب العدالة والتنمية الحاكم، الذي ظل يتصدر كل الانتخابات التي شهدتها البلاد طوال ربع قرن تقريباً.
ويقول مسؤولو أكبر أحزاب المعارضة إن حزبهم يتعرض للضغط من قبل الحكومة عبر تسييس القضاء واستغلاله لإبعاد المنافسين من طريق مرشحي الحزب الحاكم، بعد انتصارهم في انتخابات العام الماضي وتزايد شعبية الحزب.