تتجه أنظار الأحزاب السياسية التركية، يوم الجمعة المقبل، نحو القضاء الذي ستبت إحدى محاكمه في شرعية القيادة الحالية لحزب الشعب الجمهوري المعارض، التي تولت مناصبها عام 2023 عبر انتخابات مشكوك بصحة إجرائها.
ويمثل زعيم حزب الشعب الجمهوري، أوزغور أوزيل، التيار الإصلاحي في أكبر أحزاب المعارضة بعد أن نجح الحزب بقيادته في هزيمة الحزب الحاكم في الانتخابات المحلية عام 2024 لأول مرة منذ نحو ربع قرن ظل فيها حزب العدالة والتنمية متصدراً نتائج كل الانتخابات.
لكن قرار يوم الجمعة المقبل قد يطيح بأوزيل من زعامة الحزب؛ إذ قضت المحكمة بالبطلان التام أو المطلق لمؤتمر الحزب العادي الذي جرى في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2023 بسبب عدد من شكاوى أعضاء في الحزب ذاته يقولون إن تلاعباً في التصويت ورشى للمندوبين الذين يحق لهم التصويت حسمت النتائج.
وسيمثل مثل ذلك القرار ضربة لجهود الحزب الذي يطالب بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة بدلاً من موعدها المقرر عام 2028، مستنداً لشعبيته وتقدمه على حزب العدالة والتنمية الحاكم في استطلاعات الرأي الحالية، ويتهم الحكومة باستغلال وتسييس القضاء لمواجهة ذلك التقدم.
انشغل حزب الشعب وقادته في الفترة الماضية بالاستعداد للمحاكمة المرتقبة، عبر عدد من الإجراءات التي يقول محاموه إنها كفيلة بعدم إيقاف قيادة أوزيل وتعيين وصي على الحزب أو إعادة زعيمه السابق كمال كليتشدار أوغلو.
فقد نظم حزب الشعب، الشهر الماضي، مؤتمرا عاما استثنائيا، شهد تصويتا على حجب الثقة عن قيادته ومن ثم إعادة انتخابها مجددا، في إجراء يصفه رجال القانون في الحزب بأنه تكتيكي، ويستهدف مواجهة أي قرار قضائي مرتقب بحل قيادة الحزب.
وشهدت الجلسة تفاصيل غير معتادة في مؤتمرات الحزب، مثل طلب زعيمه أوزغور أوزيل من مندوبي الحزب الذين سيصوتون فيه، حجب الثقة عن القيادة، وهو ما تم بالفعل.
ثم أعيد انتخاب القيادة ذاتها مع تغيير اسم واحد فقط، لكن التصويت اقتصر على مندوبين غير مشاركين في التصويت بمؤتمر الحزب الفرعي في إسطنبول، ومؤتمر الحزب العام الذي جرى في 2023، لتجنب تأثير دعوى قضائية بتهم التلاعب في الانتخابات.
ويقول مسؤولو حزب الشعب الجمهوري إن تفاصيل المؤتمر الاستثنائي صُممت بحيث لا يؤثر فيه القرار القضائي المرتقب صدوره يوم الجمعة المقبل، والذي سيبتّ في شرعية مؤتمر الحزب الذي عقد عام 2023.
ينهي حزب الشعب الجمهوري المعارض في تركيا، اليوم الأربعاء، آخر مؤتمراته الفرعية على مستوى البلاد، وقد اختار قادة ومندوبين في فروع الحزب بجميع المحافظات التركية عبر انتخابات شهدت تقدم مرشح واحد في بعض الفروع أو منافسة محدودة في فروع أخرى.
وبين تلك المؤتمرات الفرعية، مؤتمر فرع إسطنبول الذي عقد قبل أيام، وأعيد فيه انتخاب أوزغور تشيليك، رئيساً للفرع الأهم والأكبر للحزب، بعد أن عزلته المحكمة الشهر الماضي وعينت وصياً على الحزب بسبب شكاوى مشابهة لتلك التي يواجهها زعيم الحزب أوزيل، حيث اعترض أعضاء في الحزب على نتائج انتخابه عام 2023 في مؤتمر الحزب الفرعي حينها.
وبعد مؤتمر الأربعاء، سيكون الحزب مستعداً لعقد مؤتمره العام العادي، الشهر المقبل، الذي سيشكل انطلاقة جديدة لقيادة الحزب الحالية إذا استطاعت الفوز دون أن تثير اعتراضات داخلية قد تصل للقضاء مرة أخرى وتضع القيادة المقبلة في تجربة مماثلة لتلك التي عاشتها في الفترة الماضية.
تصدرت دعوات قادة الحزب في الفترة الماضية، لممثلي الفروع كي يكونوا موحدين في الفترة المقبلة، وأن يكون هدفهم تخطي حقبة المحاكمة التي واجهتها قيادة الحزب، وتجنب إثارة القضايا الخلافية والداخلية مراعاة للظروف التي يمر فيها الحزب.
لكن من غير المؤكد أن يكون أوزيل هو المرشح الوحيد في المؤتمر؛ ما يثير احتمال عدم فوزه أمام المرشح أو المرشحين الذي قد يكون بينهم كمال كليتشدار أوغلو، الزعيم السابق للحزب، والذي خسر أمام أوزيل في انتخابات 2023 المشكوك في صحتها.
ومن شأن ذلك السيناريو أن يرسّخ الاتهامات التي واجهها حزب الشعب الجمهوري من منافسيه حول الانقسام الكبير الذي يشهده، وتنافس قيادتين فيه، إحداها إصلاحية بقيادة أوزيل، وأخرى محافظة بقيادة كليتشدار أوغلو الذي خسر انتخابات الرئاسة أمام رجب طيب إردوغان عام 2023.
كما سيقلل ذلك السيناريو من مصداقية الاتهامات التي وجهها حزب الشعب الجمهوري إلى الحكومة في الفترة الماضية باستغلال القضاء في أزمته الحالية، عبر دعاوى إبطال مؤتمرات للحزب وحل قيادته الرئيسة والفرعية في إسطنبول بتهم تلاعب بالتصويت؛ إذ ترفض الحكومة التركية تلك الاتهامات، وتقول إن الحزب منقسم، وإن أعضاء فيه رفعوا دعاوى قضائية يشككون في انتخاباته الداخلية التي ستبت بصحتها المحاكم دون تدخل حكومي.
يعقد حزب الشعب الجمهوري مؤتمراً عادياً كل عامين، لكن مؤتمر عام 2023 وما تبعه من شكاوى قضائية تشكك بآلية فوز قيادته الحالية، دفعت تلك القيادة لعقد عدد من المؤتمرات الاستثنائية على أمل تجاوز تداعيات تلك الشكاوى، لكن دون جدوى.
وقد عزلت محكمة تركية الشهر الماضي قيادة فرع إسطنبول وعينت مجلس وصاية في خطوة تسببت باحتجاجات غاضبة وتدخل آلاف من الشرطة لتأمين دخول الوصي إلى مقر الفرع وممارسة مهامه بعد اعتراض رئيس الفرع المعزول أوزغور تشيليك.
وقال الصحفي والكاتب التركي، سارب ساغكال، إن قادة حزب الشعب يصفون المؤتمر العادي الشهر المقبل، بأنه يُعقد في فترة استثنائية، لذلك يجري التركيز على الوحدة وتجنب الانقسام والانتقادات.
ويشير ساغال عبر صحيفة "الجمهورية" المقربة من حزب الشعب، إلى أن ذلك التوجه للقيادة الحالية للحزب يستهدف الرد على الانتقادات التي واجهها بعض المرشحين في الفروع ولم ينافسهم أحد وغياب النقاشات الواسعة في المؤتمرات الفرعية.
وأضاف أن حزب الشعب يتبنى شعار "لنضع جانباً مشاعر الاستياء ونتحد ضد المحاكمات القضائية ضد حزبنا، ويكون هذا آخر مؤتمر لنا بوصفنا حزبا معارضا" في إشارة لطموحات الحزب في تولي السلطة التي يديرها حزب العدالة والتنمية منذ العام 2002.
ولا تقتصر تلك المحاكمات على قيادة حزب الشعب الرئيسة أو فرعه في إسطنبول، بل طالت 17 رئيس بلدية كبرى وفرعية تابعة لحزب الشعب بتهم فساد ورشى، وبينهم رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، الذي اختاره حزبه ليمثل الحزب في الانتخابات الرئاسية المقبلة بينما يقبع في السجن منذ آذار/مارس الماضي..