أثارت عودة مفتشي الأمم المتحدة النوويين إلى إيران لأول مرة منذ الهجمات الإسرائيلية والأمريكية على مواقعها النووية في يونيو الماضي موجة احتجاجاتٍ داخل البرلمان الإيراني؛ فبعض النواب وصفوا إعادة القبول بأنها خرقٌ للقانون الذي أُقِرَّ في يوليو، والذي كان يمنع العودة الموسعة للوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وبحسب صحيفة "الغارديان" البريطانية، فإن ممثل مدينة خميني شهر النائب محمد تقي نقدالي، قاد الاحتجاجات، مؤكدا أن أيَّ تعاونٍ مع الوكالة دون ضمانات كاملة للسيادة الإقليمية وأمن العلماء النوويين والحقوق الأساسية لإيران، يُعدُّ جريمةً تستحق العقوبة وفق القانون.
وقال "لقد وافقنا على قانونٍ في المجلس ينص على تعليق أيّ نوع من التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ما لم يتم ضمان سلامة أراضي إيران وأمن العلماء النوويين وحقوقها الطبيعية بشكل كامل، وهذا ما أكده تقرير منظمة الطاقة الذرية [الإيرانية] والمجلس الأعلى للأمن القومي".
وأضاف: "أيُّ شخصٍ يتصرف ضد هذا القرار، فهو مذنب وسيُعاقب بالعقوبة السادسة، في حالات لا توجد فيها عقوبة أشد”.
ومن جهةٍ أخرى، ووسط هذا الغضب الداخلي، حاول وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، تهدئة الموقف مؤكِّدا أن المفتشين لن يزوروا أيّا من المواقع التي تعرّضت للقصف، وأن الزيارات ستقتصر على موقع بوشهر النووي لمتابعة إعادة التزود بالوقود، وهو دورٌ مطلوب بموجب معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، وأوضح أن هذه الخطوة حصلت على موافقة المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني.
من جهته، أكد رافائيل غروسي، رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أن المفتشين “عادوا إلى إيران” الأربعاء، مشددا على ضرورة استئناف الأنشطة التفتيشية لمنع تكرار الهجمات التي وقعت في يونيو، وأضاف أن العودة لم تكُن سهلةً، مشيرا إلى الانقسامات الداخلية حول وجود المفتشين وتأثيرها على الأمن القومي، وحاليا، يخضع غروسي لحماية الشرطة بعد تلقّيه تهديداتٍ يُعتقد أنها من إيران.
وبحسب الصحيفة، فإن الاحتجاج البرلماني يكشف عن التحدي الذي تواجهه الحكومة الإيرانية في التوازن بين تصاعد المشاعر الوطنية وبين المخاطر الخارجية، بما في ذلك احتمالات فرض عقوبات جديدة أو هجمات إسرائيلية إضافية.
وفي سياق ذي صلة تستعد المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا لتفعيل آلية “السناب باك” لعودة العقوبات عند انتهاء صلاحية الاتفاق النووي الذي دام عشر سنوات في 18 أكتوبر، ما لم تستوفِ إيران شروطا محددة تشمل تحديد مواقع مخزون اليورانيوم المخصب والسماح بالعودة الكاملة للمفتشين واستئناف المحادثات مع الولايات المتحدة حول برنامجها النووي.
في الوقت نفسه، اقترحت روسيا، في مسودة قرار لمجلس الأمن، تأجيل آلية “السناب باك” لمدة ستة أشهر إضافية؛ ما يوفر مجالا أمام أوروبا لتقييم جدية إيران في استئناف المفاوضات الدبلوماسية، لكن أيّ تحرك لإعادة العقوبات لا يمكن أن يُعترض من قبل الصين وروسيا؛ ما يرفع احتمالية تصعيد التوترات بين إيران والغرب.
في المقابل، هذا التحرك الجزئي لإعادة المفتشين قد يُمثِّل الحدّ الأدنى من التنازلات الإيرانية، ويُظهر تحديات الحكومة الإيرانية في إدارة مصالحها الوطنية، والحفاظ على التزاماتها الدولية، بينما يحافظ البرلمان على موقفه الصارم في مواجهة ما يعتبرونه خرقا للسيادة والقانون الداخلي.