برزت خلافات حادة بين شركاء وأطراف عملية السلام الجارية بين أنقرة وحزب العمال الكردستاني، بما في ذلك عودة الحديث عن السلاح والعنف للمرة الأولى منذ عام كامل اتسم بالتوافق.
وأشار قيادي بارز في حزب العمال الكردستاني، إلى أن العودة للسلاح لا تزال واردة، بينما انقسمت الأحزاب السياسية التركية الكبرى بشأن المرحلة الحالية من عملية السلام، بما في ذلك التحالف الثلاثي المؤيد للعملية.
ومقابل التشاؤم الذي هيمن على المشهد السياسي بشأن استمرار عملية السلام وإمكانية تعثرها، يسود الترقب لطبيعة الإطار القانوني الذي سيناقشه البرلمان التركي، وما إذا كان سيتضمن بنوداً وقوانين تبدد التصعيد في الخطاب السياسي المناهض لعملية السلام.
السلاح مقابل الإنكار
كشفت تصريحات القيادي في إحدى منظمات حزب العمال الكردستاني، زاغروس هيوا، أن المرحلة التي وصلت إليها عملية السلام بين أنقرة وحزب العمال الكردستاني، لا تعني أن العودة للسلاح قد ولت للأبد.
وقال هيوا في تصريحات صحفية، إن "المفاوضات لم تبدأ بعد"، ولكي تبدأ المفاوضات، يجب أن يلتقي الطرفان على قدم المساواة، وأهم عنصر في هذه المفاوضات هي حرية زعيم الحزب عبدالله أوجلان الذي وصفه بـ "كبير مفاوضي حزب العمال الكردستاني".
وأضاف هيوا أن حزب العمال الكردستاني تخلى عن الاستراتيجية العسكرية وتوجه نحو استراتيجية سياسية ديمقراطية، وأنهم صادقون في هذا، ولن يكونوا من ينسف عملية السلام.
لكن هيوا قال إن الصراعات المسلحة ستعتمد بشكل كامل على سياسات الدولة التركية. مضيفاً: "إذا استمرت سياسات الإنكار والإبادة الجماعية التي استمرت قرنا من الزمان، فسيواصل الأكراد مقاومتهم للدفاع عن أنفسهم".

وأوضح أن الدستور الحالي لتركيا، ينكر وجود الأكراد، ويعتبرهم أتراكاً، "بل جميع المجموعات العرقية في تركيا. لا ينبغي اعتبار الأكراد أتراكاً، بل يجب اعتبارهم مواطنين أحراراً ومتساوين في جمهورية تركيا الديمقراطية. ينبغي أن يشمل الدستور الأكراد، ولا يُهمّشهم أو يحرمهم من حقوقهم".
اعتراض كردي
تمثل تصريحات هيوا جزءاً من خطاب كردي غير راضٍ عما اتخذته انقرة من خطوات حتى الآن، لاستمرار عملية السلام مقابل ما اتخذه حزب العمال الكردستاني الذي أعلنَّ حل نفسه وإلقاء مقاتليه للسلاح بشكل رمزي، بجانب الانسحاب من داخل تركيا وجزء من حدودها الجنوبية مع العراق حيث توجد معاقل الحزب.
فقد جاء حديث هيوا بعد أن أعلن قادة آخرون في حزب العمال الكردستاني، وبينهم، آمد ملاذغيرت، وبيسي هوزات، الأسبوع الماضي، أن لقاء وفد لجنة السلام مع أوجلان ليس كافياً، وأنه يتوجب إطلاق سراحه، بجانب إقرار تشريعات واعتراف دستوري بالشعب الكردي.
خلاف الحلفاء
امتد الخلاف حول المرحلة الحالية من عملية السلام إلى التحالف الذي يجمع ثلاثة أحزاب رئيسة في لجنة السلام البرلمانية، وهي حزب العدالة والتنمية الحاكم، وحليفه حزب الحركة القومية، بجانب حزب "الديمقراطية والمساواة للشعوب" الممثل للأكراد، والذي يلعب دور الوسيط بين اللجنة وأوجلان.
واعترض الحزب الكردي على عرض ملخص لما تحدث فيه أوجلان خلال لقاء تاريخي جمعه بممثلي الأحزاب الثلاثة الشهر الماضي، في سجنه، وطالبوا بعرض محضر اللقاء بالكامل بدلاً من الملخص المجتزأ الذي أخرج حديث أوجلان من سياقه كما يقول الحزب في بيان.
واعتبر حزب الديمقراطية والمساواة للشعوب في بيانه، أن عرض الملخص أمام أعضاء لجنة السلام في جلسته الأخيرة يوم الخميس الماضي، قبيل تقديم مقترحات للبرلمان التركي حول الخطوة التالية لعملية السلام، يضيق نطاق الدور التاريخي لأوجلان في تلك العملية، ويتعارض مع الوعود السابقة.
ومن المقرر أن تعد لجنة السلام البرلمانية في الفترة القليلة المقبلة مقترحات أو إطاراً قانونياً يحدد مصير قادة حزب العمال الكردستاني ومقاتليه ومن منهم يستطيع العودة لتركيا وينخرط في الحياة السياسية والبرلمانية فيها.
وخلّف الصراع المسلح منذ عام 1984، آلاف الضحايا العسكريين والمدنيين من الجانبين، ونزوحاً من قرى وبلدات في جنوب غرب تركيا، وفشلت محاولات سلام سابقة في إنهائه، آخرها مفاوضات ووقف إطلاق نار امتد بين عامي 2013 و2015.
وترك الصراع جراحاً في المجتمع والعائلات، انعكست في الاعتراض على لقاء وفد برلماني تركي مع أوجلان بينما لا تزال أنقرة تصفه بالإرهابي، وظهور مقاتلين لحزبه يحملون السلاح بعد إعلان الحزب إلقاء السلاح، بينما يطالب أنصار الحزب بإقرار قانون يتيح للمقاتلين العودة لتركيا والانخراط في المجتمع.
واضطرت قناة تلفزيونية تركية، الأسبوع الماضي، لإصدار بيان توضيحي لمشاهديها بعد أن ورد اسم أوجلان في شريطها الإخباري، مسبوقاً بكلمة "السيد"، وقالت إنها أزالت اللقب من النص الذي ورد إليها من مؤتمر صحفي.