logo
العالم

مع ضغوط ترامب.. هل ينجح الاتحاد الأوروبي في تأسيس جيش بديل لـ"الناتو"؟

جندي بولندي على متن دبابة مدرعة بينما يرفرف علم الناتوالمصدر: غيتي إيمجز

في تطور صادم، طالبت الولايات المتحدة أوروبا بتحمل غالبية قدرات الدفاع التقليدي لحلف الناتو بحلول عام 2027، من الاستخبارات إلى الصواريخ، وإلا فإن واشنطن قد تتوقف عن المشاركة في بعض آليات التنسيق الدفاعي للحلف. 

لكن الخبراء يرون أن هذا الموعد النهائي يبدو غير واقعي بالنسبة للعديد من المسؤولين الأوروبيين.

وحدد الاتحاد الأوروبي هدفًا لجعل القارة قادرة على الدفاع عن نفسها بحلول عام 2030، معلنًا أنه يجب سد ثغرات في الدفاعات الجوية، والطائرات المسيّرة، وقدرات الحرب السيبرانية، والذخائر ومجالات أخرى.

لكن المسؤولين ومحللين قالوا إنه حتى الموعد النهائي 2030 طموح جدًا.

أخبار ذات علاقة

جنود في قوة تابعة للاتحاد الأوروبي

أوروبا تواجه أزمتها الأخطر.. 3 تحديات "تخنق" الصندوق الدفاعي المشترك

خطة إعادة تسليح أوروبا

وأشار موقع "توت لوروب" الفرنسي إلى أن المفوضية الأوروبية اقترحت في 4 مارس/آذار الماضي خطة "إعادة تسليح أوروبا"، وهو برنامج يجب أن يسمح بتعبئة ما يقرب من 800 مليار يورو، منها 150 مليار كقروض متاحة للدول  السبع والعشرين.

وأكدت وزارة الدفاع الفرنسية في تقريرها "أوروبا الدفاع: المنبه دق"، أن مفوض الدفاع والفضاء الأوروبي المُعيّن عام 2024، الليتواني أندريوس كوبيليوس، قدم في مارس/آذار الماضي الكتاب الأبيض لاستراتيجية الدفاع الأوروبي بحلول عام 2030، الذي يقترح تدابير طموحة، خاصة الجانب الصناعي من خلال هذه الخطة، بهدف تشجيع الأوروبيين على إنتاج معدات مشتركة.

تحديات جوهرية أمام المشروع

ويشدد الممثل العسكري الدائم لفرنسا في اللجنة العسكرية للناتو والاتحاد الأوروبي، الجنرال جيروم غواسك، على أن العائق الأول أمام أوروبا في الدفاع يبقى ثقافيًا، فالاتحاد الأوروبي، على عكس الناتو، ليس بالفطرة منظمة دفاع وأمن، بل مجتمع اقتصادي أُلحقت به أبعاد السياسة الخارجية والأمن.

ويضيف أن كل بلد أوروبي يملك ثقافة استراتيجية خاصة تؤثر على طريقة عمله، وتلعب دورًا في تفضيل التعاون الأوروبي أو الأطلسي، وهذه الانقسامات لا تزال واضحة بين مختلف دول الاتحاد، ولا يمكن تخفيفها إلا بمضاعفة التعاون.

ويتفق معه جيورجيو باتيستي، الحاصل على درجة الماجستير في الدراسات الاستراتيجية من جامعة تورينو الإيطالية، مؤكدًا أن خلق جيش أوروبي حسب الرغبة التي عبّر عنها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مرارًا، هدف غير عملي في المدى المتوسط، إذ لا تلاقي الفكرة قبولًا من قبل جيوش الدول الأعضاء التي يهمها الحفاظ على استقلاليتها في عملياتها وتطوير قدراتها.

ويرى أن حلم الجيش الأوروبي لا يصادف هوى في نفوس معظم الحكومات، لأنه يعني التخلي عن قسط من السيادة.

غياب التهديد الموحد

ويسلط باتيستي الضوء كذلك على إشكالية جوهرية تتمثل في غياب التهديد العام الذي يواجهه الجميع، فكل دولة من دول الاتحاد لها نظرتها الخاصة للتهديد المتوقع.

فالدول الواقعة على المتوسط لديها حساسية خاصة تجاه الإرهاب وتدفق المهاجرين غير النظاميين، وتهتم بمسألة انعدام الاستقرار في إفريقيا والشرق الأوسط، بينما تركز الدول الواقعة في الشمال الغربي بشكل أكبر على الإرهاب وروسيا التي تشكل التهديد الرئيس لدول شرق أوروبا.

في المقابل، يدعم السفير الإسباني وأول مدير مدني للمركز الوطني للاستخبارات، خورخي ديزكالار، فكرة أن يطور الاتحاد الأوروبي قوة عسكرية مستقلة، لكنها متوافقة مع قوة حلف شمال الأطلسي التي تمنحها حماية المظلة النووية الأمريكية، مشيرًا إلى أن القدرة الرادعة لفرنسا وبريطانيا لا تقارن بقدرة الولايات المتحدة.

الضغوط الأمريكية والدوافع المالية

يقدم أليكسي موخين، رئيس مركز المعلومات السياسية، تفسيرًا مختلفًا لبروز الفكرة، عازيًا ذلك إلى ضغط الولايات المتحدة على الاتحاد بهدف نشر قواعد جديدة للناتو في الأراضي الأوروبية.

ويشير إلى أن الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، طلب قبل الرئيس الحالي، دونالد ترامب، من الاتحاد الأوروبي زيادة تمويل القواعد الموجودة في أوروبا، وردًا على هذا بدأ الحديث عن إنشاء جيش أوروبي لموازنة قواعد الناتو، لأن الأوروبيين يدركون أنه من الأفضل أن تخصص هذه النفقات لجيشهم وليس لجيش غريب.

ويضيف موخين أنه عندما أصبح واضحًا أن الحضور الأمريكي سيزداد ما سيتطلب زيادة النفقات المالية، فإن فكرة إنشاء جيش أوروبي ذاتي أصبحت أكثر وضوحًا، رغم أن تنفيذها يحتاج إلى 5-10 سنوات، لكنه يرى أن الاتحاد الأوروبي لا يملك هذا الوقت، وأن إنشاء هذا الجيش سيزيد من اختلال التوازن في الاتحاد.

المخاوف من الهيمنة الألمانية

بدوره، يحذر النائب الأول لرئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الاتحاد الروسي، فلاديمير جباروف، من أن العمود الفقري لهذا الجيش سيكون ألمانيا، وهذا يثير مخاوف كبيرة، لأن ألمانيا حاليًا تعد المانح الرئيس للاتحاد الأوروبي، حيث تعتمد عليها البلدان كافة، متسائلًا: ماذا سيحصل عندما يظهر الجيش؟ 

ويعتقد جباروف أن هذه الفكرة لن تبصر النور؛ لأن دافعي الضرائب لن يرغبوا بتمويلها، كما أن الناتو سيعمل من أجل المحافظة على نفوذه في أوروبا.

"فكرة لا معنى استراتيجيًا لها"

ونشر موقع "Slate" الفرنسي تحليلًا حادًا بعنوان "لماذا مشروع جيش أوروبي مشترك لا معنى استراتيجيًا له؟"، مؤكدًا أنه رغم الكتاب الأبيض للدفاع الأوروبي المنشور في مارس/آذار الماضي، والمقترحات والتصريحات في كل اتجاه، فإن النفقات العسكرية الأوروبية أعلى بقليل فقط مما كانت عليه في العام 2022.

وحذر الموقع من أن ميزانية الدفاع الروسية تجاوزت بالقوة الشرائية ميزانية جميع الدول الأوروبية مجتمعة، والوحيدون الذين أخذوا التهديد على محمل الجد هم من يتقاسمون حدودًا مع روسيا: دول البلطيق، بولندا، وأيضًا فنلندا والنرويج.

أخبار ذات علاقة

اجتماع سابق بين ترامب وقادة أوروبا

واشنطن تعيد تموضعها في أوروبا.. الناتو أمام "اختبار 2027" لتولي الدرع الدفاعية

الشعب يريد جيشًا أوروبيًا

ورغم التحديات والتحذيرات، أشارت "الحركة الأوروبية – فرنسا" في قرارها الصادر في 22 مارس/آذار الماضي، إلى استطلاع كشف عن دعم قوي لإنشاء جيش أوروبي تحت قيادة موحدة، بما في ذلك لدى أكثر من نصف الفرنسيين.

وأعلن البرلمان الأوروبي أن استطلاع "يوروباروميتر" المنشور في مارس/آذار الماضي أظهر أن ثلثي مواطني الاتحاد (66%) يريدون أن يلعب الاتحاد دورًا أكبر لحمايتهم من الأزمات العالمية والمخاطر الأمنية.

فالجميع يؤكد أن الدفاع الأوروبي يهدف إلى استكمال الناتو لا الاستعاضة عنه، لكن التحديات التي يواجهها المشروع عميقة ومتشعبة: عوائق ثقافية وبنيوية، تباين في مفاهيم التهديد والأولويات الاستراتيجية، ضغوط أمريكية متزايدة، مخاوف من اختلال التوازن والهيمنة الألمانية، وفجوة واضحة بين الطموحات والإمكانيات الفعلية. 

والسؤال يبقى مطروحًا: هل ستنجح أوروبا في تحقيق المستحيل بحلول عام 2027، أم أن موعد واشنطن مجرد ضغط لبيع المزيد من الأسلحة؟

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC