قال خبراء في العلاقات الدولية والشأن اللاتيني، إن معادلة "إسقاط النظام وإبقاء الدولة" التي تراوغ إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بخصوص التعامل بها مع فنزويلا، تعد اعترافاً ضمنياً بالأخطاء الإستراتيجية التي ارتكبتها الولايات المتحدة في تجارب سابقة سواء في أمريكا اللاتينية أو الشرق الأوسط، في وقت أدى فيه إسقاط الأنظمة، بشكل مفاجئ، إلى انهيار مؤسسات الدولة وما تبع ذلك من فوضى ممتدة، وعواقب بعيدة المدى.
لكنهم أوضحوا في الوقت ذاته، أن استهداف الولايات المتحدة للأنظمة القائمة، لا يكون مرتبطاً بتطبيق الديمقراطية أو حماية السلم الدولي كما تدّعي، ولكن العنصر الفاصل في ذلك، مدى كون هذا النظام تابعاً لواشنطن من عدمه، حيث إنه حال كان يلبي تنفيذ مصالحها، لا تتدخل في سياساته بل تدعمه، وهذا ما ينعكس في التعامل مع أنظمة بلدان عديدة.
وحشد ترامب قوة بحرية غير مسبوقة في منطقة البحر الكاريبي، وهدد بشن غزو بري لفنزويلا، لكن خيارات الرئيس في المنطقة محدودة وفق متابعين.
ويقول أستاذ التواصل السياسي في جامعة كادس إشبيلية الإسبانية والخبير في العلاقات الدولية، الدكتور محمد المودن، إن معادلة "إسقاط النظام وإبقاء الدولة" تلخص القلق الكبير الذي يدور في رأس واشنطن، في وقت يعرف فيه الجميع أن هذه المقولة هي أحد المحاور الخطابية المركزية في السياسة الأمريكية تجاه فنزويلا خلال السنوات الأخيرة.
وأوضح المودن في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن هذا الطرح لا يأتي من فراغ بل يعكس اعترافاً ضمنياً بالأخطاء الإستراتيجية التي ارتكبتها الولايات المتحدة في تجارب سابقة سواء في أمريكا اللاتينية و الشرق الأوسط، حيث أدى إسقاط الأنظمة، بشكل مفاجئ، إلى انهيار مؤسسات الدولة، وما تبع ذلك من فوضى ممتدة، وعواقب بعيدة المدى.
وبين المودن أنه في الحالة الفنزويلية يبدو أن الولايات المتحدة تحاول تدارك الأخطاء السابقة، ولكن رغم تطور الخطاب السياسي، لا تزال الممارسة العملية تحمل تناقضات واضحة، حيث إن العقوبات الاقتصادية أضعفت مؤسسات الدولة أكثر من إضعاف النواة الصلبة للسلطة، وأثرت سلباً على قدرة الدولة على توفير الخدمات والحد الأدنى من الضمان الاجتماعي، الأمر الذي يتعارض، بشكل مباشر، مع الهدف المعلن بالحفاظ على الدولة.
واعتبر المودن أنه من منظور جيوسياسي لا تعد فنزويلا ساحة أحادية القطبية كما كان في السابق، حيث إن الحضور المتنامي للصين وروسيا قيّد هامش الحركة الأمريكي، وتبنَّى إستراتيجية أكثر براغماتية وميلاً نحو التفاوض، ومن هذا المنطق يبدو أن واشنطن تميل إلى إدارة الأزمة أكثر من الدفع نحو مواجهة مباشرة، وتقبل صيغا انتقالية تدريجية كانت لا تعتمدها في مراحل سابقة.
ومن كراكاس، يرى الباحث في الشأن اللاتيني، جهاد يوسف، أن الترويج لفكرة أن إسقاط النظام لا يؤثر على الدولة، أمر غير منطقي، وأثبت نقيضه في دول عدة كانت قائمة، ولكن مع سقوط النظام دخلت في نفق الفوضى والتقسيم، وهددت الأمن الدولي وليس محيطها فقط، وما جرى في العراق أوضح مثال على ذلك، وهو ما جرى طبقاً لتلك النظرية الأمريكية.
وأوضح يوسف في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن استهداف الولايات المتحدة للأنظمة القائمة، لا يكون مرتبطاً بتطبيق الديمقراطية أو حماية السلم الدولي كما تدّعي، ولكن العنصر الفاصل مدى كون هذا النظام تابعاً لواشنطن من عدمه، حيث إنه حال كان يلبي تنفيذ مصالحها، لا تتدخل في سياساته بل يدعمه، وهذا ما ينعكس في التعامل مع أنظمة بلدان عديدة.
وشدد يوسف على أن ما يهم واشنطن في كراكاس، هو مصادر النفط وثرواتها من الذهب والأحجار الكريمة والحديد والمعادن النادرة، والاستحواذ على ذلك يتطلب نظام حاكم تابع، يسهل هذا المخطط ويجعل فنزويلا تنضم إلى الحديقة الخلفية للولايات المتحدة، مثلما كانت دول أمريكا اللاتينية في سبعينيات القرن الماضي.
وأردف يوسف أن معظم الدول اللاتينية كانت الحديقة الخلفية للولايات المتحدة منذ 5 عقود، وهو ما تسعى إليه الآن، حيث بدأت بفنزويلا، ثم كولومبيا ومن الممكن أن تتحرك إلى كوبا ونيكارغوا التي تعارض السياسة الأمريكية وتطالب باحترام سيادتها واستقلالها أمام أي تدخلات أجنبية.
وأشار يوسف إلى أن كراكاس تطالب بحوار ندّي مع واشنطن وعلاقات قائمة على احترام متبادل عبر التفاوض على بعض القضايا الخلافية، ولكن لا يمكن أن يكون هناك تنازل عن السيادة الفنزويلية أو استقالة الرئيس أو إسقاط النظام.