يترقب العالم أولى خطوات الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، في ولايته الثانية، فالرئيس صاحب المواقف والقرارات المفاجئة بات محل اهتمام أصدقائه قبل أعدائه.
ولعله من حق إيران بشكل خاص، أن تقلق مع وجود ترامب في البيت الأبيض لأربع سنوات ستمضي بطيئة وثقيلة على النظام الإيراني، الذي ناله ما ناله من ضغوط وعقوبات "هي الأسوأ" في تاريخ إيران من حيث تأثيرها المدمر على البلاد واقتصادها.
وثمة تساؤلات اليوم: هل نحن أمام جولة جديدة من الضغوط والعقوبات الأمريكية على إيران أم أن الأمور قد تذهب لما هو أبعد، نحو ضربة عسكرية قوية تنهي "أحلام إيران النووية"؟ خاصة مع التسريبات الأخيرة التي رافقت إعلان فوز ترامب، باتهام إيران بالوقوف خلف محاولات اغتيال ترامب وعدد من أعضاء فريقه في الولاية الأولى.
منحى استخباراتي
الكاتب السياسي السوري، مازن بلال، يرى أن السيناريوهات لم تتضح بعد، لكن الواضح أن ترامب لا يرغب بخوض حروب عسكرية، مضيفًا "على الأرجح فإن العلاقات مع إيران ستتخذ منحى استخباراتيًّا أكثر منه عسكريًّا مباشرًا، وبالتأكيد فإن أسلوبه في التعامل مع حرب غزة ولبنان سيشكل العامل الأكبر في سياسته تجاه طهران".
السيناريو الرئيسي لترامب، وفقًا لبلال، سيتعامل مع النفوذ الإيراني في العراق، وهناك عوامل كثيرة ستحدد هذا المسار، فأي اتفاق لوقف الحرب على غزة سيمر بالتأكيد عبر إيران التي اتضح أن لها ذراعًا قويًّا في العراق.
ويشير إلى أن "المرحلة القادمة ستكون مليئة بمفاجآت، لكنها متوقعة؛ لأن سياسة ترامب سيبقى همها الأول هو الصين والقضايا الباقية هي لخدمة هذا الأمر".
ويقول الكاتب السياسي السوري إن "في الظروف الحالية غير متوقع توجه ترامب نحو ضربة عسكرية على إيران؛ لأنه لا يرغب بحروب إضافية، فمسألة ضرب إيران ستكون ضمن حزمة سياسية في حال الفشل النهائي لوقف الحرب في غزة".
سياسة متشددة
الكاتب والمحلل السياسي اللبناني، علي حمادة، يرى من جانبه أن ترامب سيكون لديه سياسة متشددة تجاه إيران أكثر من إدارة بايدن، مضيفًا: "هناك اليوم ترقب لضربة إيرانية لإسرائيل، ولكن بعد انتخاب ترامب يبدو أن الحسابات الإيرانية قد تغيرت، ولم يعد هناك حديث عن ضربة من إيران على إسرائيل، وإنما من الفصائل والأذرع الإيرانية في العراق".
ويتابع: هناك حديث عن أن جزءًا من هذه الضربات سينطلق من لبنان، لا سيما أن حزب الله يطلق صواريخ بالستية على وسط إسرائيل، وتقديرات لبنانية في بيروت تعدُّ أن هذه الصواريخ رسائل إيرانية ضد إسرائيل؛ لأن حزب الله يحتاج إلى إجازة وتوجيه من إيران لكي يطلق هذا النوع من الصواريخ الذي يمكن أن يجر على لبنان وعلى الحزب وبيئته ضربات وردودًا عنيفة.
بالتالي، قد تكون الضربة الإيرانية على إسرائيل هي ضربة الأذرع، إذ تكون الأذرع في المقعد الأمامي وإيران في المقعد الخلفي لتدير هذه الأذرع وعلى رأسها حزب الله.
ويجزم حمادة أن ثمة ضربة إسرائيلية قادمة على إيران، إذا ما حصلت فستكون على المنشآت النووية، "ولا نعرف إن كان ترامب يمكن أن يدفع الإسرائيليين للقيام بهذه الضربة قبل استلامه الحكم، فهذا غير واضح".
ويشير الخبير حمادة أنه "بعد عودة ترامب واستلام مفاتيح البيت الأبيض سوف تكون لديه سياسة أكثر تشددًا من إدارة بايدن تجاه إيران"، ويقول "لا نعرف إن كان سيستخدم عصا التدخل العسكري، ولكنه سيستخدم بالتأكيد عصا العقوبات الشديدة، من أجل دفعها إلى تفكيك برنامجها النووي العسكري".
ويؤكد حمادة على أن إيران ليس لديها برنامج نووي سلمي، وإنما هناك برنامج نووي عسكري؛ لأن إيران تسعى إلى تصنيع قنبلة نووية ووسائل عسكرية نووية وليس أقل من ذلك" وفقًا للخبير اللبناني.
خطة ترامب تتساوق مع خطة نتنياهو
العميد السابق في مديرية المخابرات العامة الأردنية والمحاضر في الأمن الإستراتيجي، د.عمر الرداد يعتقد أن مواقف ترامب من إيران واضحة من خلال الحملة الانتخابية أو بعد فوزه في الانتخابات، "ويبدو أن خطة ترامب غير بعيدة عن خطط نتنياهو وتتساوق معها حتى قبل الانتخابات".
ويضيف: سيكون ترامب بين خيارين؛ خيار التصعيد هو خيار مشترك للخيارين المطروحين، "ومن هنا أعتقد أن خيارات ترامب بالتصعيد ستكون في الجانب الأول منها، الضغط عبر عقوبات اقتصادية كما وصفها في رئاسته السابقة، وهي عقوبات غير مسبوقة في التاريخ، وقد أعلن بالأمس بأنه سيمارس هذه الضغوط عبر منع تصدير النفط الإيراني".
ويذكر الرداد أن إيران تصدر 3 ملايين برميل نفط يوميًّا، وهي تصدرها بشكل أساسي إلى الصين، وترامب طرح في الأمس ما هو أخطر من ذلك، وهو ربط الصين بإيران، فحتى الموانئ والشركات الصينية التي تستورد النفط الإيراني ستتعرض للعقوبات، ناهيك من عقوبات أخرى ستصل إلى حلفائها والميليشيات التابعة لها.
ويلفت الخبير الأردني إلى أن إيران اليوم في وضع اقتصادي صعب جدًّا، وهي أمام مخاوف كبيرة ربما تضرب إستراتيجيتها الرئيسة، وهي الحفاظ على النظام.
إدارة من الصقور
أما الخيار الثاني، وفقًا للرداد، فهو يقوم على أن الإدارة الديمقراطية في هذه المرحلة الانتقالية (الشهرين الباقيين) أرسلت العديد من البوارج الحربية والطائرات القاذفة "B52"، وهو ما فُسر بعسكرة المنطقة، ويبدو أن هذه التحركات تنسجم مع طروحات ترامب الذي سيبني عليها ويستفيد منها باتجاه المزيد من الضغط على إيران دون الوصول بشكل عاجل إلى موقف تصعيدي يؤدي إلى ضرب إيران.
ويقول الرداد "ربما يكون هناك بعض المناوشات هنا وهناك، ولكن لن نصل إلى مستوى ضربات حادة كما يطمح نتنياهو، بخصوص ضرب المفاعلات النووية أو الضربات الاقتصادية، أعتقد أن هذا السيناريو سيُأجل لفترة معينة، وسيواصل ترامب ضغوطه الحادة وسيرى مدى استجابة إيران لهذه الضغوط".
إيران - كما يقول الخبير الرداد - تدرك ما هي مخططات ترامب تجاهها، وما هي مواقفه، خاصة بعد التسريبات التي تظهر اليوم حول ثبوت محاولات اغتياله، لكن الأخطر اليوم، هو أن ترامب قد يكون الشخص الأكثر حكمة ضمن الفريق الذي يشكله، والذي يقود الإدارة الأمريكية.
ويلفت إلى أن أبرز الشواهد اليوم، هي أن من بين المرشحين لوزارة الدفاع، مارك بومبيو وهو وزير الخارجية السابق في ولاية ترامب الأولى، هذا الرجل ثبت أن هناك محاولة إيرانية لاغتياله، وأعتقد ستكون مواقف أقطاب الإدارة المحيطة بترامب محددًا رئيسًا في قراراته .
والأهم أن هذه الإدارة ستكون متساوقة بشكل كبير مع إدارة نتنياهو، لا سيما أن نتنياهو نفسه قد بدأ باتخاذ إجراءات مشابهة، إذ أقال غالانت في يوم الانتخابات الأمريكية، في ظل اتهامات لغالانت بأنه يتماهى مع المواقف والضغوط الأمريكية مثله مثل غانتس وبينيت والمعارضة الإسرائيلية.