مع انتهاء سريان الاتفاق النووي لعام 2015 بهدوء في عطلة نهاية الأسبوع، وإعادة فرض العقوبات الأوروبية، تواجه إيران عصراً جديداً من العقوبات والجمود الدبلوماسي.
وبحسب تقرير لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، فإن طهران غير متأكدة من مدى قدرتها على الاعتماد على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والصين، بينما لم يقرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعد مكانة إيران في رؤيته لشرق أوسط سلمي.
ومن دون احتفالات أو مؤتمرات دولية، انتهى الاتفاق النووي، الذي أبرم عام 2015، بعد عقد من الزمن لم يحقق فيه ما طمحت إليه طهران والعالم، إذ كان من المفترض أن يجعل إيران دولة مزدهرة ذات برنامج نووي محدود وخاضع للإشراف، مع علاقات دولية ممتازة.
لكن مسار التاريخ غيّر ذلك، خاصة بعد قرار ترامب في مايو 2018 بالانسحاب من جانب واحد تحت ضغط إسرائيلي، مما أدى إلى تدهور بلغ ذروته في حرب طهران وتل أبيب في يونيو/ حزيران الماضي، مع تدخل أمريكي قوي.
وتذهب "هآرتس" إلى أن مواقف ترامب تجاه إيران غامضة، وتشبه حواره مع حماس في غزة، بين تهديدات بالتدمير الشامل مقابل أمر لإسرائيل بوقف الحرب في غزة، ومفاوضات مع مسؤولي الحركة.
وقبل عشرة أيام، صرّح ترامب أن إيران تدعم خطته المكونة من عشرين نقطة بشأن غزة، قائلاً إنها تريد العمل على السلام وأبلغته بتأييدها التام، وهو ما أكده وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بالترحيب بأي مبادرة "تنهي الإبادة في غزة وتطرد قوات الاحتلال".
ومع ذلك، رفض الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان دعوة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لحضور مؤتمر السلام في شرم الشيخ، موضحاً عدم القدرة على التواصل "مع من هاجموا الشعب الإيراني ويفرضون عقوبات".
هذا الرفض أثار انتقادات داخلية لبزشكيان بسبب إضاعة فرصة لوضع إيران على طاولة صناع القرار، وربما بدء اتصال مع ترامب الذي لطالما وعد طهران بـ "أمور إيجابية" لو انخرطت في محادثات سلام مع إسرائيل.
ورغم الإجماع الدولي على إنهاء الحرب في غزة، إلا أن القضية النووية تبقى مختلفة بالنسبة لإيران، فهي تمس صراعات داخلية على السلطة ومستقبل البلاد، ومع عودة العقوبات عبر بند "سناب باك" الذي دخل حيز التنفيذ يوم السبت، بعد فشل جهود إيران في تأجيله، تجادل طهران بأن انتهاء الاتفاق يعني انتهاء البند.
النقاش الداخلي في إيران يعكس تقييماً بأن روسيا والصين ليستا ضمانات أكيدة ضد العقوبات، إذ قال محمد جواد ظريف، وزير الخارجية السابق، إن موسكو مهمة لكن خطها الأحمر هو عدم إقامة طهران علاقات سلمية مع العالم.
ووفق "هآرتس" فإن هذا التصريح القاسي جزء من شكوك بلغت ذروتها مع سقوط نظام الأسد في سوريا، حيث اتهمت روسيا بعدم مساعدته، مما يصب في مصلحة إسرائيل.
رغم اتفاقيات تعاون استراتيجي طويلة الأمد مع روسيا والصين، باستثمارات بمئات الملايين، إلا أنها لا تتضمن التزاماً دفاعياً، كما أعلنت إيران شراء 48 طائرة سوخوي سو-35 من روسيا، لكن صفقة سابقة لـ24 طائرة في 2022 لم تنفذ.
وأشعل التقارب الروسي مع سوريا الجديدة، عبر زيارة الرئيس أحمد الشرع إلى موسكو، شكوكاً في طهران بأنه قد يأتي على حسابها، فيما حذّر السفير السابق نعمة الله إيزادي من صعوبات تنفيذ الاتفاقات، مشيراً إلى أن بوتين قد يضحي بإيران لعلاقات مع ترامب ولرفع عقوبات عن روسيا.
وتعتقد "هآرتس" أن إيران قد لا تطمئن إيران لرسالة بوتين عن حديثه مع رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، حيث وعد الأخير بعدم اهتمام بلاده بصراع عسكري آخر، في المقابل ربما تستطيع طهران الاعتماد على ترامب لمنع تل أبيب من جرّه إلى مغامرة عسكرية ضدها.
ومع انتهاء الاتفاق وتطبيق "سناب باك"، تدخل القضية الإيرانية مرحلة انتظار، حيث تدرس الأطراف تأثير العقوبات الجديدة على قرارات إيران، وما إذا كانت روسيا والصين ستنضمان إليها، إذ ترى "هآرتس" أن طهران باتت مطالبة بأحد خيارين: التمسك ببوتين رغم الشكوك، أو التقارب مع ترامب رغم التهديدات.