خسرت أنقرة إرسين تتار مرشّحها الرئيس المنتهية ولايته، في الانتخابات القبرصية-التركية بجمهورية شمال قبرص، لكنها ربحت فرصة نادرة لإعادة فتح قنواتها الدبلوماسية مع أوروبا عبر بوابة المفاوضات القبرصية، فيما قد يكون أقوى ورقة دبلوماسية واقتصادية لأنقرة في قبرص منذ سنوات.
وعلى الرغم من هذه الخسارة فإن النتيجة قد تنقلب لمصلحة أنقرة دبلوماسيًا واقتصاديًا؛ ففوز توفان إرهورمان، زعيم الحزب الجمهوري التركي (CTP)، يفتح الباب أمام احتمال استئناف المفاوضات المباشرة بين شطري الجزيرة المنقسمة منذ نصف قرن؛ ما قد يمنح أنقرة متنفسًا جديدًا في علاقاتها المتوترة مع الاتحاد الأوروبي.
وفي الانتخابات التي جرت في 19 أكتوبر، حصد إرهورمان 62.76% من الأصوات، متغلبًا على تتار، المعروف بتشدده ودعمه الصريح لحل الدولتين، وهو الموقف الذي لطالما تبنته أنقرة، ورغم أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كان قد دعا علنًا أنصار تتار إلى "بذل كلّ ما بوسعهم للفوز"، فإن أنقرة، بعد إعلان النتائج، التزمت باحترام "خيار القبارصة الأتراك"، وأعلنت استعدادها للتعاون مع الرئيس الجديد.
ويرى محللون أن خسارة مرشحها لم تكن بالضرورة خسارة لأنقرة، بل قد تشكل فرصة لإعادة التموضع؛ فإرهورمان يدعو إلى حلٍّ اتحادي بدعم من الأمم المتحدة، وهو ما قد يفتح نافذة لاستعادة الحوار مع بروكسل حول قضايا مجمدة مثل تحديث الاتحاد الجمركي مع الاتحاد الأوروبي، المعلق منذ عام 2018.
كما أن الأجواء الإيجابية في الملف القبرصي قد تساعد تركيا في تحسين صورتها داخل أوروبا، خصوصًا أمام دول مثل ألمانيا التي تسعى لتوسيع التعاون الدفاعي ضمن مبادرة SAFE الأوروبية، والتي تتطلب موافقة جميع أعضاء الاتحاد بمن فيهم قبرص واليونان.
ورغم اختلاف نهج الرئيس الجديد مع توجهات أنقرة، يتوقع مراقبون أن تركيا لن تعرقل مساعيه لإعادة إطلاق المفاوضات، بل ستنتظر لترى إلى أي مدى يمكن أن تصمد؛ فأنقرة تعتقد أن تجربة التفاوض الفيدرالي أثبتت فشلها، منذ انهيار "خطة عنان عام 2004" و"محادثات كرانس-مونتانا عام 2017"، عندما انهارت المفاوضات بسبب خلافاتٍ حول الضمانات الأمنية وبقاء القوات التركية في الشمال.
إرهورمان بدوره، يربط عودة الحوار بشروط محددة، أبرزها المساواة السياسية الكاملة بين القبارصة الأتراك واليونانيين، أي "حق الفيتو" والتساوي في اتخاذ القرارات ضمن أي كيان فيدرالي، وهي مطالب يعترف خبراء أن ترجمتها إلى نصوص تفاوضية لا يزال أمرًا معقدًا، لكنها تعكس رغبة القبارصة الأتراك في ضمان ألَّا تتكرر إخفاقات الماضي التي أبقتهم في عزلة دولية.
من جانبه رحّب الرئيس القبرصي اليوناني نيكوس خريستودوليدس بنتيجة الانتخابات، وأعلن استعداده لاستئناف المفاوضات من النقطة التي توقفت عندها في 2017، أمَّا الأمم المتحدة، فستواجه تحدي صياغة آلية تفاوضية جديدة تحفظ توازن المصالح بين الطرفين.
ورغم أن الطريق نحو تسويةٍ شاملة لا يزال مليئًا بالعقبات، فإن انتخاب إرهورمان يمثل -في نظر كثيرين- لحظة اختبار لأنقرة، ويفرض سؤالًا جديًا: هل تتمكن من استثمار هذا التحول لإعادة الانخراط مع أوروبا، أم ستبقى متمسكة بخطاب "حل الدولتين" الذي عزلها سياسيًا في السنوات الأخيرة؟
وفي كل الأحوال، يبدو أن نتائج الانتخابات القبرصية-التركية، قد منحت تركيا فرصة نادرة لتصحيح صورتها عبر مفارقة سياسية: خسارة مرشحها، لكنها ربَّما كسبت مساحة جديدة للمناورة على طاولة الإقليم وأمام الاتحاد الأوروبي.