منذ توليه الرئاسة في عام 2017، واجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سلسلة من التحديات السياسية والاجتماعية جعلته يلجأ إلى تغييرات متكررة في رئاسة الحكومة، في محاولات متواصلة لاحتواء الأزمات واستعادة التوازن الداخلي.
ويمكن لرئيس الوزراء البقاء في منصبه طالما يحظى بثقة رئيس الجمهورية والأغلبية البرلمانية.
وتجري إقالته أو إجباره على الاستقالة في أي وقت ضمن 3 حالات، أولها في حال قرر الرئيس تغييره كما يفعل ماكرون عادة بعد الانتخابات أو الأزمات.
أو في حال خسر تصويت الثقة في الجمعية الوطنية (البرلمان)، أو في حال استقال طوعا بسبب ضغوط سياسية أو فشل حكومي.
شهدت الولاية الأولى لماكرون تغييرا محدودا على رؤساء الوزراء، إذ شغل المنصب شخصيتان فقط، هما:
اختاره ماكرون ليمثل جناح اليمين المعتدل ويكسر الحدود الحزبية التقليدية. لكنه غادر بعد أزمة سياسية عاصفة ترافقت مع احتجاجات "السترات الصفر" وجائحة كورونا، إذ أُجري تعديل وزاري شامل لتجديد المسار الحكومي.
برز اسمه خلال جائحة كورونا كـ"مهندس فك الإغلاق"، ونجح في قيادة مرحلة التعافي الأولى. غير أن كاستيكس غادر منصبه بعد انتخاب ماكرون لولاية ثانية، تمهيدًا لتشكيل حكومة جديدة تعكس موازين القوى السياسية بعد الانتخابات.
ويعزى هذا الاستقرار خلال الفترة الرئاسية الأولى إلى أسباب عدة، بينها هيمنة حزب ماكرون على البرلمان، وإجراؤه إصلاحات كان قد وعد بها، وعدم وقوع أزمات سياسية في فرنسا.
وشهدت الولاية الثانية لماكرون ما يُوصف بأنه "عدم استقرار" على منصب رئيس الوزراء، إذ تناوب على المنصب 5 شخصيات، على النحو التالي:
تُعد ثاني امرأة تتولى رئاسة الحكومة في تاريخ فرنسا، وجاءت من خلفية تكنوقراطية وواجهت احتجاجات واسعة ضد قانون إصلاح نظام التقاعد. وتمكنت بورن من الصمود لأشهر صعبة قبل أن تستقيل بعد تآكل رصيدها الشعبي وتراجع الثقة البرلمانية.
يعد أتال أصغر رئيس وزراء في تاريخ فرنسا الحديث، ومثّل جيلاً سياسياً جديداً داخل "حزب النهضة". وسعى أتال إلى منح الحكومة طابعاً أكثر شباباً وانفتاحاً، لكنه غادر بعد 9 أشهر إثر خسارة دعم الأغلبية البرلمانية وتفاقم الانقسامات داخل المعسكر الحاكم.
عيّن باعتباره مفاوضاً خبيراً (ملف بريكست سابقاً) لاحتواء العجز وتوسيع قاعدة التوافق، لكن حكومته لم تصمد أكثر من 3 أشهر بعد فشلها في نيل الثقة الكافية.
أحد أبرز حلفاء ماكرون التاريخيين، تولى المنصب لبحث "مسار الجمهورية 2026" الاستشرافي. لكن حكومة بايرو واجهت هزيمة ثقيلة في تصويت الثقة وغادر إثر خلافات داخلية عميقة.
مثّل خيارا سريعا بعد أزمة الثقة في حكومة بايرو، وبرز بصفته وزير دفاع سابقًا مقربًا من ماكرون.
لم يمكث لوكورنو في منصب رئيس الوزراء إلّا 27 يوما، إذ استقال نتيجة معارضة القوى السياسية لحكومته، إلّا أن ماكرون أعاد تكليفه بعد أيام من الاستقالة.
تُظهر هذه التغييرات المتسارعة في رئاسة الحكومة عمق الأزمة السياسية في فرنسا.
وتراوحت أسباب التغييرات بين أزمات اقتصادية واجتماعية خانقة واحتجاجات شعبية، وصولاً إلى تراجع الحاضنة البرلمانية لحزب "النهضة".
ويرى مراقبون أن ماكرون، رغم محاولاته توسيع قاعدة التحالفات، لم يتمكن من بناء استقرار حكومي طويل الأمد، ما جعل عهده من أكثر العهود تقلبا في تاريخ الجمهورية الخامسة.