رئيس الموساد يعتبر أن على إسرائيل "ضمان" عدم استئناف إيران لبرنامجها النووي

logo
العالم

مغامرة ترامب في فنزويلا.. من مكافحة المخدرات إلى مواجهة الصين

الرئيسان الفنزويلي والأمريكيالمصدر: أ ف ب

تشهد منطقة  الكاريبي تصاعدًا خطيرًا بين الولايات المتحدة وفنزويلا، بعدما أغرقت مدمرة أمريكية سفينة ووصفتها واشنطن بأنها "زورق مخدرات"، في خطوة يرى محلّلون أنها تتجاوز نطاق مكافحة التهريب لتلامس جوهر التنافس بين القوى العظمى، خاصة مع الصين.

في 2 سبتمبر/أيلول، أطلقت المدمرة "جيسون دونهام" النار على سفينة في جنوب البحر الكاريبي، ما أسفر عن مقتل 11 شخصًا، بحسب صحيفة "آسيا تايمز".

وبررت واشنطن العملية بأنها استهدفت مهربين مرتبطين بعصابة "ترن دي أراغوا" الفنزويلية، بينما اعتبرتها كاراكاس مقدمة لتغيير النظام، وحشدت عشرات الآلاف من القوات؛ كما تعهد الرئيس نيكولاس مادورو، آنذاك، بإنشاء "جمهورية مسلحة" إذا أقدمت واشنطن على غزو بلاده.

وبعد أيام، حلّقت مقاتلتان فنزويليتان فوق المدمرة الأمريكية، فيما وصفه البنتاغون بأنه "استفزاز شديد"، ليكشف المشهد عن احتكاك غير مسبوق بين البلدين في المياه الإقليمية.

من مكافحة المخدرات إلى مواجهة جيوسياسية

تصر إدارة ترامب على أن تحركاتها دفاعية، لكن التصعيد الأخير — من دوريات البحرية إلى نشر مقاتلات إف-35 في بورتوريكو — يوحي بأن الحرب على المخدرات تتحول إلى منصة لمواجهة النفوذ الصيني في نصف الكرة الغربي.

أخبار ذات علاقة

طائرات وسفينة حربية أمريكية

خبراء أمميون: واشنطن ارتكبت "إعدامات خارج القانون" في البحر الكاريبي

واعتمدت واشنطن تاريخيًا، على خفر السواحل وفرق عمل متعددة الأطراف في مكافحة التهريب؛ لكن الانتشار الحالي، الذي يشمل حاملة الطائرات "يو إس إس إيو جيما" ومدمرات صواريخ موجهة وغواصة نووية، يبدو أقرب لاستعدادات عمليات كبرى أو حتى تغيير أنظمة، أكثر من كونه إجراءات لضبط المخدرات.

ويرتبط تفسير ذلك بتطور مكانة فنزويلا على الساحة الدولية؛ فكاراكاس لم تعد دولة نفطية فحسب، بل أصبحت شريكًا إستراتيجيًا للصين، التي ضخت عشرات المليارات في قروض واستثمارات ضمن مبادرة الحزام والطريق.

وبالنسبة لواشنطن، عسكرة مكافحة المخدرات رسالة واضحة بأن تعزيز الصين لنفوذها في "الفناء الخلفي" الأمريكي لن يمر دون رد.

ترامب وبكين: عدستان متباينتان

يتماشى التصعيد في الداخل الأمريكي، مع خطاب دونالد ترامب الانتخابي، الذي يربط بين تهريب المخدرات، والهجرة غير الشرعية، والجريمة. 

ورمزية مواجهة "إرهابيي المخدرات" تخاطب جمهورًا متضررًا من أزمة المواد الأفيونية، ما يجعل التحرك العسكري ورقة سياسية.

في بكين تبدو الصورة مغايرة؛ فالصين تملك مصالح واسعة في النفط الفنزويلي وشبكات الكهرباء والبنية التحتية هناك. 

أخبار ذات علاقة

دونالد ترامب ونيكولاس مادورو

سفينة "تونة" تُحوّل الكاريبي إلى ساحة صراع أمريكي-فنزيولي (فيديو إرم)

ووفق محلّلين، ترى قيادتها أن تحركات البحرية الأمريكية ليست مجرد جهود لمكافحة التهريب، بل محاولة لاحتواء نفوذها المتنامي، على نحو يشبه قراءتها للدوريات الأمريكية في بحر الصين الجنوبي باعتبارها سياسة تطويق.

مادورو بين التهديد والفرصة

وبالنسبة للرئيس مادورو، يمثل التصعيد الأمريكي تهديدًا وجوديًا وفرصة سياسية في الوقت ذاته. 

وتواجه فنزويلا أزمة اقتصادية وعزلة دبلوماسية، لكن تهديدات واشنطن تمكّنه من استنهاض خطاب "الدفاع الوطني ضد الإمبريالية". 

كما يعيد إعلان خطط مادورو لحشد ميليشيات قوامها ملايين المقاتلين أجواء الحرب الباردة، ويتيح له تثبيت تحالفاته مع بكين وموسكو.

ومع كل خطوة أمريكية جديدة، يزداد اعتماد مادورو على الدعم الصيني والروسي، ما يعمّق الارتباط بين مصير نظامه والإستراتيجيات الجيوسياسية لتلك الدول.

قلق إقليمي ورد فعل صيني

أثارت هذه التطورات قلقًا واسعًا في أمريكا اللاتينية؛ فقد حذّرت الرئيسة المكسيكية كلوديا شينباوم من "عسكرة أحادية الجانب"، بينما ذكّر الرئيس البرازيلي سيلسو أموريم واشنطن بأن القارة ما زالت تحمل ذكريات أليمة عن التدخلات الخارجية. 

أخبار ذات علاقة

الرئيس الأمريكي ترامب

ضربة ترامب في الكاريبي.. هل كشفت عن "عملاء الأنظمة" داخل أمريكا؟

وحتى كولومبيا، الحليف التقليدي للولايات المتحدة في مكافحة المخدرات، أعربت عن خشيتها من الانجرار إلى صراع أوسع.

تراقب الصين من جانبها المشهد بهدوء، مروّجة لنفسها كبديل "غير تدخلي" عبر تمويل البنية التحتية مقابل الوجود العسكري الأمريكي.

وفي حال واصلت واشنطن نهج "دبلوماسية البوارج"، قد تستثمر بكين في رد الفعل الإقليمي لتعزيز مكانتها، بينما تحافظ بهدوء على مصالحها في الطاقة والاستثمار.

وتثير الضربة البحرية الأمريكية جدلاً قانونيًا واسعًا؛ إذ لم يمنح الكونغرس تفويضًا باستخدام القوة ضد فنزويلا، فيما يثير استهداف سفن في المياه الدولية تساؤلات حول التزام واشنطن بسيادة القانون. 

ويرى منتقدو هذه الخطوة أن عسكرة مكافحة المخدرات قد تقوّض حجج الولايات المتحدة نفسها عندما تنتقد بكين أو موسكو على الساحة الدولية.

إستراتيجيات بديلة

لن تحل التفجيرات والعمليات الخاصة أزمة الفنتانيل داخل الولايات المتحدة، فشبكات التهريب تتأقلم باستمرار، بينما يبقى الطلب الداخلي المحرك الأساس.

أخبار ذات علاقة

سفن في البحر الكاريبي

السفن الأمريكية تطوق الكاريبي.. كابوس "الحصار البحري" يخيم على فنزويلا

وما يتغير حقًا هو المشهد الإستراتيجي؛ إذ تحولت فنزويلا إلى ساحة مواجهة غير مباشرة بين واشنطن وبكين، مع خطر انزلاق هذا الصراع نحو مواجهة مباشرة في نصف الكرة الغربي.

في السياق، يرى محللون أن النهج الأكثر فاعلية يتمثل في توسيع عمليات مكافحة المخدرات بقيادة خفر السواحل وفرق إقليمية مشتركة، مع فصل جهود مكافحة التهريب عن محاولات تغيير النظام، وإشراك دول الجوار بدلًا من عزلها عبر تحركات أحادية، إلى جانب معالجة الطلب الداخلي من خلال الوقاية والعلاج، وتشديد مكافحة غسيل الأموال.

وفي نهاية المطاف، تختلف زوايا النظر: بالنسبة لواشنطن، الانتشار العسكري حماية للأسر الأمريكية؛ وبالنسبة لكاراكاس، تهديد لتغيير النظام؛ وبالنسبة لبكين، محاولة احتواء؛ أما لدول أمريكا اللاتينية، فالصراع يبدو حلقة جديدة في لعبة شطرنج جيوسياسية كبرى.

بتحوّل مكافحة المخدرات إلى ساحة صراع على النفوذ، تخاطر واشنطن بزعزعة استقرار محيطها وتوتير علاقاتها مع شركائها، وربما بتسريع سباق القوى العظمى الذي تحاول احتواءه.

فما بدأ كعملية لملاحقة المهربين قد ينتهي بإعادة رسم الخريطة الإستراتيجية للأمريكيتين، ما لم تُدرك الإدارة الأمريكية أن حربها على المخدرات ليست الحرب التي تحتاجها حقًا.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC