انضمام تيمور الشرقية إلى رابطة دول جنوب شرق آسيا "آسيان" قد يبدو خطوة رمزية، لكنه في الواقع يُدخل الديمقراطية الوحيدة في جنوب شرق آسيا إلى قلب التنافس الأمريكي-الصيني، مهددًا بإعادة رسم ميزان القوة الإقليمي بين المال الصيني والنفوذ الأمريكي المتراجع.
وكشفت "فورين بوليسي" أن تيمور الشرقية الديمقراطية الأكثر حرية في جنوب شرق آسيا، تستعد، حاليًا، لاكمال عملية انضمامها رسميًا إلى رابطة "آسيان" كعضوها الـ11، في قمة ستُعقد هذا الشهر في ماليزيا، وهي خطوة تحمل فوائد دبلوماسية واقتصادية واضحة، لكنها في الوقت نفسه تفتح ملفًا حساسًا يتعلق بالمنافسة الأمريكية-الصينية في المنطقة.
وعلى الرغم من غياب التصويت الرسمي على العضوية، فإن أي قرار داخل "آسيان" يتم عبر التوافق؛ ما يعني أن وجود تيمور الشرقية، التي تتمسك بالقانون الدولي وتتمتع بدرجة عالية من الديمقراطية، قد يميل بالكتلة الإقليمية قليلًا بعيدًا عن النفوذ الصيني المتنامي؛ ما يمنح الولايات المتحدة فرصة لتعزيز نفوذها، كما أن العلاقات القوية مع واشنطن وحلفائها في "آسيان"، مثل: إندونيسيا، والفلبين، وسنغافورة، يمكن أن تدعم المعسكر الديمقراطي مقابل الدول الأوتوقراطية الأعضاء، مثل: كمبوديا، ولاوس، وميانمار.
ويرى الخبراء أن الصين ما زالت الشريك الاقتصادي الرئيس لتيمور الشرقية، حيث تمول مشاريع حيوية مثل الطريق السريع الأول للبلاد، ومشاريع ري زراعية ضخمة، وحتى مع دخولها إلى منطقة التجارة الحرة لـ"آسيان" فمن المرجح أن يظل التأثير الاقتصادي الصيني قويًا؛ ما يُعقّد أي محاولة أمريكية لاستغلال الموقع الجغرافي لتيمور الشرقية بين إندونيسيا وأستراليا كحصن إستراتيجي ضد بكين.
ويحذّر مراقبون من أن تحديات هذه الخطوة تمتد أيضًا إلى السياسة الأمريكية نفسها؛ ففي ظل إدارة ترامب الثانية، يبدو أن الأولويات التقليدية مثل دعم الديمقراطية أو مواجهة الصين قد تنخفض، فيما تُرجح بعض المؤشرات أن واشنطن ستركّز أكثر على الدفاع عن نصف الكرة الغربي، وأي تفاهم مع بكين قد يقلل من الاهتمام الأمريكي بـ"آسيان" وتيمور الشرقية؛ ما يترك المجال للصين لتعزيز نفوذها دون عوائق.
وفي النهاية، يمثل انضمام تيمور الشرقية إلى "آسيان" فرصةً استراتيجية كبيرة للولايات المتحدة وأحد أكبر التحديات للصين في المنطقة، لكن نجاح هذه الخطوة سيعتمد على مدى التزام واشنطن بخططها، وقدرة تيمور الشرقية على الموازنة بين مصالحها الاقتصادية والإستراتيجية، غير أن هذه الديمقراطية الصغيرة قد تصبح ساحة اختبار لموازين القوى في جنوب شرق آسيا، وما ستقرره في السنوات المقبلة.