شهدت ألمانيا في الأسابيع الأخيرة سلسلة من اختراقات الطائرات المُسيّرة المجهولة الهوية، التي حطمت مستويات الأمان التقليدية فوق المطارات والمواقع العسكرية والمنشآت الحيوية.
وفي حادثة حديثة، أوقف مطار ميونيخ الرحلات بعد رصد عدة طائرات مسيرة؛ ما أدى إلى إلغاء 17 رحلة جوية وتحويل 15 رحلة أخرى، وتأثر نحو 3000 مسافر.
وبحسب صحيفة "يوراسيان تايمز"، فقد رصدت الشرطة هذه الطائرات حوالي الساعة 19:30 بتوقيت غرينتش؛ ما دفع السلطات الألمانية إلى فتح تحقيق موسع لتحديد مصدرها.
وقد رصدت طائرات مشابهة في ولاية شليسفيغ هولشتاين، شمال البلاد، على مقربة من الحدود مع الدنمارك، تحلق فوق مناطق حيوية تشمل مستشفيات، ومحطات كهرباء، ومصافي نفط، وحتى مبنى البرلمان المحلي.
وتباينت الطائرات في الحجم والنوع؛ ما يشير إلى استخدام تقنيات متعددة للأغراض الاستطلاعية وربما التخريبية.
ورغم أن بعض المشاهدات لم تثبت كونها طائرات معادية، إلا أن مصير العديد منها لا يزال مجهولًا، خصوصًا تلك التي تحلّق فوق البنى التحتية الحيوية والمنشآت العسكرية.
تزامنًا مع هذه الأحداث، سجلت ولايات مثل مكلنبورغ فوربومرن اختراقات مماثلة قرب الحدود البولندية، شملت مواقع بحرية وعسكرية؛ ما يعكس نمطًا متكررًا يثير المخاوف الأمنية من تجسس محتمل أو استهداف استراتيجي للبنية التحتية.
الإجراءات الألمانية للحد من التهديد
وفي مواجهة هذا التهديد المتنامي، أعلن وزير الداخلية ألكسندر دوبريندت عن خطط لإعادة صياغة قانون أمن الطيران الألماني، بما يسمح للقوات المسلحة، البوندسفير، بالتدخل عند عدم كفاية قدرات الشرطة المدنية، بما في ذلك إسقاط الطائرات المعادية.
كما سيتم إنشاء مركز وطني للدفاع عن الطائرات المُسيّرة لتنسيق جهود البوندسفير والشرطة الفيدرالية والشرطة المحلية، مع استخدام نظم اعتراض ألمانية حديثة تعتمد على الشباك للتصدي للطائرات الكبيرة أو المسلحة.
تاريخيًا، واجهت ألمانيا صعوبات في مواجهة الطائرات عالية السرعة أو المجهولة، إذ تعذر على أنظمة الشرطة التقليدية مواكبتها؛ حيث سجلت مشاهدات مماثلة في 2024 و2025 فوق محطات الطاقة النووية وقواعد عسكرية مهمة مثل مانشينج، ونويبورغ آن دير دوناو، وبافاريا الجنوبية، إضافة إلى مواقع حلف الناتو في البلاد.
ودفع هذا الواقع إلى تعزيز أنظمة المراقبة والتحكم، ورفع مستوى التنسيق بين السلطات المدنية والعسكرية، مع التركيز على سباق تسلح تقني بين تهديدات الطائرات المسيرة ودفاعاتها، كما وصفه الوزير دوبريندت.
لكن التحدي القانوني يظل قائمًا، إذ يحظر الدستور الألماني على الجيش أداء واجبات الأمن الداخلي العادية؛ ما يضع السلطات أمام مهمة حساسة لتوسيع صلاحيات الجيش دون تجاوز القيود الدستورية.
التجسس والهجمات الهجينة
تشير المشاهدات إلى أن مشكلة الطائرات المسيرة في ألمانيا جزء من ظاهرة أوسع في أوروبا، مع تسجيل حالات مماثلة في الدنمارك، السويد، النرويج، وليتوانيا؛ وبعض هذه التوغلات تُوصف بأنها هجمات هجينة، قد تستخدم للطائرات الغامضة مهام الاستطلاع والتخريب.
على سبيل المثال، سُجلت طائرات مسيرة فوق قواعد بحرية في كارلسكرونا السويدية، وقاعدة أورلاند الجوية النرويجية، ومطار فيلنيوس في ليتوانيا؛ ما يشير إلى نمط جغرافي يغطي كامل حلف شمال الأطلسي.
كما يظهر التاريخ الحديث أن الغرب يواجه تهديدًا متناميًا من التجسس باستخدام الطائرات المسيرة، سواء من روسيا أو الصين.
ففي المملكة المتحدة، أثارت تحليقات الطائرات المسيرة فوق منشآت نووية ومواقع عسكرية مخاوف من جمع معلومات استخباراتية، فيما تم رصدها أيضًا فوق قواعد جوية أمريكية مهمة مثل لانغلي ورايت باترسون، وحتى فوق ممتلكات خاصة للرئيس السابق دونالد ترامب، بالقرب من ترسانات عسكرية.
يوضح هذا النشاط المستمر أن الطائرات بدون طيار أصبحت أداة رئيسية للحرب الهجينة، تجمع بين الاستطلاع، جمع البيانات، والتجريب على الدفاعات الغربية، مع قدرة على التوسع بسرعة.
وقد أشار خبراء إلى أن مسارات الطائرات المتوازية فوق المواقع العسكرية قد تُستخدم لرسم خرائط دقيقة، وهو ما يعكس مستوى عاليًا من التخطيط والتنظيم؛ ما يجعلها تهديدًا استراتيجيًا حقيقيًا لأمن ألمانيا وأوروبا على حد سواء.
تمثل أزمة الطائرات المُسيّرة في ألمانيا تهديدًا متعدد الأبعاد للبنية التحتية الحيوية والمواقع العسكرية، مع أبعاد سياسية، قانونية واستراتيجية واضحة.
وتظهر الإجراءات الألمانية الجديدة، من تعديل قوانين أمن الطيران إلى إنشاء مركز وطني للدفاع، إدراك البلاد لحجم التحدي.
ومع ذلك، يبقى التجسس الدولي والهجمات الهجينة عبر الطائرات المسيرة مصدر قلق مستمر؛ ما يستدعي تعزيز التعاون الأوروبي والدولي لمواجهة هذه التهديدات الحديثة.