كشفت تقارير أن كوريا الجنوبية تجد نفسها في قلب العاصفة بين واشنطن وبكين، بعد أن أصبحت ضغوط الحرب التجارية بين القوتين العالميتين تهدد استقرارها الاقتصادي وخياراتها الاستراتيجية.
ومنذ وصول الرئيس الكوري الجنوبي لي جاي ميونغ إلى الحكم، حاولت سيول التمسك بسياسة "الولايات المتحدة للأمن، والصين للاقتصاد"، لكن تصاعد التوترات جعل هذا التوازن أكثر هشاشة من أي وقت مضى؛ فالرئيس نفسه أقرّ في زيارته إلى واشنطن في أغسطس بأن منطق الحياد لم يعد قابلاً للتطبيق، مؤكدًا أن بلاده مجبرة اليوم على الانحياز لواشنطن في ظل بيئة اقتصادية وجيوسياسية منقسمة بشدة.
ويرى الخبراء أن هذا التحول الكوري تعمّق مع مفاوضات الصفقة التجارية الجديدة التي ضغطت فيها إدارة ترامب على سيول لتقديم استثمارات ضخمة في السوق الأمريكية، مقابل استمرار الحماية الأمنية الأمريكية، لكن الصين، التي تمثل ربع صادرات كوريا الجنوبية، لم تتأخر في الرد؛ فقد فرضت بكين هذا الشهر عقوبات على 5 شركات تابعة لشركة "هانوا أوشن" الكورية، متهمةً إياها بالتعاون مع واشنطن في التحقيقات ضد قطاع بناء السفن الصيني.
وكشفت مصادر أن العقوبات الصينية كانت بمثابة إنذار قاسٍ لسيول، التي فوجئت بشدة الرد؛ فالمؤسسة الكورية التي استثمرت 100 مليون دولار في حوض سفن بولاية فيلادلفيا كانت جزءًا من مبادرة أمريكية لإحياء صناعة السفن داخل الولايات المتحدة، لكن هذا التحرك الاقتصادي تحوَّل سريعًا إلى ورقة ضغط جيوسياسي استخدمتها بكين لتذكير كوريا الجنوبية بحدود تحالفاتها.
وحذرت الصحف الصينية الرسمية، بما فيها "غلوبال تايمز"، صراحةً من أن انخراط الشركات الكورية في مشروعات أمريكية ذات طابع استراتيجي قد يجعلها أهدافًا محتملة في حال حدوث أي مواجهة عسكرية، كما نبّهت إلى أن الرهان على أن "السياسة يمكن أن تتغلب على الاقتصاد" هو "مغامرة عالية المخاطر".
وبالنسبة لسيول، فإن هذه الرسائل تعكس ثمن التحالف مع واشنطن في زمن الاستقطاب الدولي؛ فمحاولتها دعم مشروع ترامب الاقتصادي وضمان الاستثمارات الأمريكية جعلها عرضة للعقوبات الصينية، بينما قد يضعف التراجع عن التزاماتها تجاه واشنطن، تحالفها الأمني في مواجهة تهديدات كوريا الشمالية.
وبين ضغوط واشنطن وتحذيرات بكين، تبدو كوريا الجنوبية اليوم عالقة في معادلة مستحيلة: الحفاظ على أمنها دون التضحية باقتصادها، والبقاء حليفًا استراتيجيًا لأمريكا دون أن تتحول إلى خصم اقتصادي للصين.