بينما تستمر الحرب في غزة، تتسع العزلة الدولية لإسرائيل بشكل ملحوظ؛ ما يثير تساؤلات حول ما إذا كانت تقترب من تجربة شبيهة بما شهدته جنوب أفريقيا خلال فترة الفصل العنصري، حين دفعت الضغوط السياسية والاقتصادية والثقافية النظام إلى التراجع.
ونقلت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" أن رئيسي الوزراء السابقين، إهود باراك وإهود أولمرت، اتهما رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتحويل إسرائيل إلى دولة منبوذة على الساحة الدولية، وبموجب مذكرة توقيف صادرة عن المحكمة الجنائية الدولية، تقلصت الدول التي يمكن أن يسافر إليها نتنياهو دون مخاطر الاعتقال.
وعلى الساحة الدولية، أعلنت دول عدة، من بينها بريطانيا وفرنسا وأستراليا وبلجيكا وكندا، عن خطط للاعتراف بفلسطين كدولة، في حين ناقشت دول الخليج، في الدوحة، خطوات موحدة بعد الهجوم الإسرائيلي الأخير على قادة حماس في قطر.
وفي أوروبا، تحولت علامات الاستياء إلى إجراءات ملموسة، فبلجيكا فرضت سلسلة من العقوبات تشمل حظر استيراد منتجات المستوطنات غير القانونية في الضفة الغربية وقيودًا على المعاملات الدبلوماسية، واعتبرت وزيرين إسرائيليين من اليمين المتطرف شخصيات غير مرغوب فيها. وتلتها إسبانيا، التي حولت حظرًا فعليًا على الأسلحة إلى قانون، ومنعت دخول السفن والطائرات الحاملة للأسلحة إلى أراضيها أو مجالها الجوي.
وتذكر مصادر مطّلعة ظهور بوادر مقاطعة ثقافية ورياضية، حيث هدَّدت دول مثل إيرلندا وإسبانيا وهولندا وسلوفينيا بالانسحاب من مسابقة "يوروفيجن 2026" إذا سُمِح لإسرائيل بالمشاركة، بينما شهدت إسبانيا احتجاجات على فريق إسرائيلي في سباق الدراجات، وانسحب سبعة لاعبين إسرائيليين عن المشاركة في بطولة شطرنج بعد أن قيل لهم إنهم لن يتمكنوا من المنافسة مرتدين علمهم.
وجاء ردّ الحكومة الإسرائيلية صلبًا، حيث اتهم نتنياهو إسبانيا بـ"التهديد الإبادي الصريح"، ووصف وزير الخارجية غيديون ساعر العقوبات الأوروبية بأنها "هوس معادٍ لإسرائيل"، وطرح نتنياهو فكرة تقليل اعتماد الصناعة الإسرائيلية على التجارة الخارجية، خصوصًا في مجال الأسلحة والدفاع، مؤكداً ضرورة الاعتماد أكثر على القدرات الذاتية.
لكن الضغوط الدولية ليست الاختبار الوحيد؛ فالتوترات الداخلية والانقسامات المجتمعية أصبحت أيضًا محور اهتمام، إذ حذر دبلوماسيون سابقون من أن الإجراءات الحالية قد تؤدي إلى زيادة الشرخ بين مؤيدي الحكومة والمعارضين، فيما يرى آخرون أن استمرار الضغوط قد يدفع إسرائيل نحو مراجعة حقيقية لمكانتها الدولية.
إلى الآن، الدعم الأمريكي يبقى ثابتًا، لكنه لا يضمن استمرار صمود نتنياهو أمام التحديات الداخلية والدولية، فالمحللون يشيرون إلى أن إسرائيل لم تصل بعد إلى "نقطة اللاعودة"، لكن الطريق أمامها أصبح محفوفًا بالمخاطر والتحديات التي قد تهز أسس حكم رئيس الوزراء الحالي.