نجحت اليابان في بناء أول سلاسل توريد متكاملة للمعادن النادرة بعيدًا عن الصين؛ ما كشف إصرارها على تنفيذ هذا التحوط المهم من المخاطر السياسية، بعد تصاعد التوترات بين البلدين مؤخرًا.
وبحسب "نيويورك تايمز"، فإن بداية هذه الجهود تعود إلى عام 2010، عندما أدى تصادم بين زورق صيني وسفينتين من خفر السواحل الياباني إلى فرض بكين حظرًا مفاجئًا على تصدير المعادن النادرة لشهرين؛ ما هدد صناعة السيارات والإلكترونيات في اليابان بالتوقف.
من جهته صرّح مسؤول السياسات الاقتصادية في وزارة التجارة حينها تاتسويا تيرازاوا: "كان عليّ أن أعترف بأنني لا أعلم شيئًا عن المعادن النادرة، لكن زميلي أوضح لي أنها أساسية في مغناطيسات المحركات، وأن اليابان سلمت تقريبًا السيطرة على هذه المواد الحيوية للصين"، وبناء على ذلك، وضعت الوزارة حزمة سياسات بقيمة مليار دولار لدعم الشركات اليابانية في تنويع مصادر المعادن النادرة وتقليل الاعتماد على الصين.
وكانت شركة "ليناس" الأسترالية محور هذه الإستراتيجية، حيث كانت تحاول إنشاء أول سلاسل توريد متكاملة بعيدًا عن الصين، بدءًا من التعدين في أستراليا إلى المعالجة في ماليزيا، لكنها كانت تعاني صعوبات مالية.
من جانبه أكد الرئيس التنفيذي لشركة "سوجيتز" اليابانية كوسوكي أويورا، أن "طوكيو لم يكن لديها أي خيار آخر؛ فالمصانع كانت ستتوقف دون إمدادات ثابتة"، ولذلك أبرمت كلٌّ من "سوجيتز"، وشركة "جوغميك" وهي الهيئة الحكومية المشرفة على أمن الموارد المعدنية، اتفاقًا بقيمة 250 مليون دولار، في عام 2011، لتأمين إمدادات طويلة الأمد من "ليناس"؛ ما ضمن وصول المواد إلى مصانع اليابان لصناعة المغناطيسات المستخدمة في السيارات والمنتجات الإلكترونية.
وكشفت مصادر مطّلعة أن هذه العملية واجهت تحديات كبيرة في ماليزيا بسبب اعتراضات محلية، وإدارة النفايات الكيميائية والمشعة الناتجة عن فصل المعادن؛ ما رفع تكلفة الإنتاج مقارنة بالمصانع الصينية، وأشار أويورا إلى أن الدعم الحكومي كان ضروريًّا لضمان استمرار المشروع.
وبينما يتطلب كسر هيمنة الصين على المعادن النادرة إرادة سياسية طويلة المدى، وتمويلًا ضخمًا، وتحالفات دولية متماسكة، وهي شروط لا تزال أغلب الدول عاجزة عن تلبيتها، فإن طوكيو نجحت في تقليل اعتمادها على بكين من أكثر من 90% في 2010 إلى نحو 60-70% حاليًّا، مع توسيع نطاق المعادن المستوردة لتشمل مكونات مغناطيسية متخصصة مقاومة للحرارة.
بدوره شدد المحلل في "يارديني ريسيرش" ويليام بيسك، على أن "تهديدات الصين بحظر صادراتها قد تدفع الدول لتقليل الاعتماد عليها، وحتى بعد أن رفعت بكين قيودها، واصلت اليابان تنويع سلاسل التوريد".
ويعتقد مراقبون أن طوكيو ترى اليوم فرصة للتعاون الدولي لتقليل التكاليف وبناء سلاسل توريد أكبر وأكثر أمانًا، وأضاف تيرازاوا أن "أي تعاون سيكون اختبارًا حقيقيًّا للالتزام، ويبقى السؤال الآن: هل ستلتزم الولايات المتحدة بالعمل مع حلفائها فعليًّا؟"؛ خصوصًا أن تجربة اليابان أثبتت أن كسر هيمنة بكين على المعادن النادرة هو أمرٌ ممكن، لكنه يحتاج إرادة سياسية طويلة المدى، وتمويلًا ضخمًا، وتحالفات دولية متماسكة.