تستنفر أجهزة الأمن الألمانية لإحباط أي هجوم قد يهدد أمن البلاد التي شهدت في الفترات الماضية العديد من الحوادث التي تحمل شبهة "الإرهاب" المرتبط بـ"التطرف الإسلامي".
وضمن هذا السياق، يأتي نبأ إفشال الهجوم الأخير الذي وصف بـ"الخطير والكبير"، وهو ما يعزز شكوك وهواجس السلطات الألمانية التي باتت "يقظة" حيال أي "تحرك مشبوه" يتصاعد مع تصاعد التوترات في الشرق الأوسط ومواقف برلين حيالها.
وقامت وحدات خاصة من الشرطة الألمانية الاتحادية بتمشيط ستة مواقع في مدن ألمانية مختلفة، في إطار جهودها لمنع "هجوم إرهابي إسلاموي مشتبه به"، حسب تعبيرات الإعلام الألماني.
وأعلنت السلطات أن المداهمات تنفذ بالتزامن في مدن إيسن ودورتموند ودوسلدورف وزوست، الواقعة في غرب البلاد، وتم إلقاء القبض مؤقتًا على رجل يبلغ من العمر 27 عامًا، ويحمل جنسية البوسنة والهرسك.
وبحسب تقارير الصحافة الألمانية، فإن خلفية عمليات التفتيش هي "تحقيق موسع في شبهة احتيال تجاري مشترك"، لكن هذه الأصول المحصلة من خلال الأنشطة الاحتيالية كانت مخصصة لتمويل "هجوم إرهابي كبير"، دون مزيد من التفاصيل.
تقود التحقيقات في مثل هذه القضايا إلى الشرق الأوسط، إذ يرى خبراء أن مواقف برلين من التوترات المتصاعدة في تلك المنطقة تخلق دوافع لدى "المشتبه بهم" في "الانتقام والثأر".
ومنذ هجوم 7 أكتوبر عام 2023 الذي شنته "حماس" ضد إسرائيل، عززت السلطات الألمانية آليات المراقبة والتفتيش تجنبًا للتوترات والاضطرابات المرجحة على خلفية موقفها الداعم لإسرائيل في حربها ضد الحركة الإسلامية في غزة.
ومن المعروف أن ألمانيا تعتبر من أكبر الدول الداعمة لتل أبيب، ورغم تغيير الائتلافات الحكومية، فإن الثابت الوحيد في سياسة ألمانيا هو الوقوف إلى جانب الدولة العبرية في ما تعتبره "الحفاظ على أمنها".
وتشعر برلين بـ"عقدة الذنب التاريخية" حيال اليهود الذين تعرضوا لأبشع أنواع الاضطهاد خلال الحقبة النازية، إذ قضى جراء ما سمي بـ"الهولوكوست" مئات الآلاف في مراكز الاعتقال، خلال الحرب العالمية الثانية.
من هنا، وبحسب خبراء، فإن "الغفران" عن هذا التاريخ المظلم، يتمثل في الدعم السخي والتأييد اللامحدود من جانب ألمانيا لحليفتها إسرائيل، وهو موقف لا يتناغم غالبًا مع مواقف الدول الأوروبية الأخرى، خصوصًا فرنسا، التي تجهر بمعارضتها للسياسات الإسرائيلية، ولحربها الأخيرة في غزة.
علاوة على ذلك، فإن التصعيد الأخير بين تل أبيب وطهران وفرت، بحسب خبراء، دوافع جديدة تزيد النقمة على سياسات ألمانيا.
وكانت مصادر قد أشارت إلى تورط عملاء من الاستخبارات الإيرانية بالتخطيط وتجنيد شبكات داخل ألمانيا وأوروبا لاستهداف المؤسسات اليهودية والأفراد المرتبطين بإسرائيل، بالتوازي مع التصعيد العسكري بين البلدين.
وبسبب وجود أكبر جالية يهودية في أوروبا الغربية داخل ألمانيا، إذ يقدر عددها بنحو مائة ألف نسمة، غالبًا ما تكون المعابد والمؤسسات اليهودية هدفًا معلنًا.
ورغم تعقيدات ملف الإرهاب في ألمانيا، فإن من الدوافع الجلية كذلك مشاركة برلين في قوات التحالف الدولي ضد "داعش"، إذ يعتبر هذا التنظيم وغيره من الحركات الإسلامية المتشددة أن ألمانيا "أرض كفر" يجب استهدافها وفقًا لآيديولوجية هذه الحركات.
وتشير الأرقام إلى أنه بين عامي 2016 و2025، سجلت ألمانيا أكثر من 28 محاولة أو هجوم إرهابي "إسلامي متطرف" تم إحباط 20 منها، فيما وقعت ثماني هجمات دامية في مدن ألمانية مختلفة.
وتسعى السلطات الألمانية إلى الوقوف في وجه العواصف القادمة من الشرق عبر تعزيز المراقبة وتشديد الإجراءات الأمنية.
وكان تورستن فراي، مدير ديوان المستشار الألماني فريدريش ميرتس، قد قال في مقابلة مع وكالة الأنباء الألمانية الشهر الماضي، إنه "من الضروري للغاية" تزويد وكالة الاستخبارات الخارجية (بي.إن.دي) بالموارد المالية والتقنية والقانونية اللازمة للتعاطي مع وضع التهديد الجديد.
وفي اتفاق الائتلاف الحاكم، اتفق التحالف المسيحي المحافظ والحزب الاشتراكي الديمقراطي على تدعيم المكتب الاتحادي لحماية الدستور "الاستخبارات الداخلية" والمكتب الاتحادي للشرطة الجنائية.
وتكشف مثل هذه الإجراءات هواجس ألمانيا الأمنية التي تسعى إلى تشديد آليات الملاحقة والمراقبة، لكن يتحتم عليها المواءمة بين مقتضيات الدستور والحفاظ على الأمن المجتمعي، وبين مكافحة الأفراد الخطرين، إذ إن بعض الإجراءات التقييدية قد تعرض الحكومة لانتقادات تتعلق بحقوق الإنسان.
ويرى خبراء أن برلين قد تغامر بسجلها الناصع في مجال حقوق الإنسان والحريات الشخصية، معتبرين أن شعار برلين في خضم التهديدات، بات "الأمن قبل حرية الفرد".