logo
العالم

إسرائيل تفقد حاضنتها الأمريكية.. شرخ كبير يهدد المساعدات العسكرية لتل أبيب

داعمين لإسرائيل في أمريكاالمصدر: غيتي إيمجز

مع تصاعد وتيرة العمليات القتالية واتساعها في غزة، حذّرت مجلة "الإيكونوميست"، من تراجع غير مسبوق في الدعم الشعبي والسياسي الأمريكي لإسرائيل، معتبرة أن هذا التحول يهدد مستقبل المساعدات العسكرية ويضع تل أبيب أمام عزلة متزايدة، رغم محاولاتها "استرضاء" الرئيس دونالد ترامب.

وخصصت المجلة البريطانية مساحة واسعة لتحليل ما وصفته بـ"التآكل الدراماتيكي" في مساندة الولايات المتحدة لإسرائيل، مشيرة في تقارير مطوّلة إلى أن طول أمد حرب غزة، وسياسات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، دفعت الأمريكيين إلى إعادة النظر في علاقتهم بالدولة العبرية، وهو تحول بدأت مؤسسات الحكم في واشنطن تعكسه بوضوح.

وفقًا للإيكونوميست، تجد إسرائيل نفسها، اليوم، أكثر اعتمادًا على الولايات المتحدة من أي وقت مضى، لكن قاعدة الدعم التي استندت إليها لعقود تتعرض لتصدع يهدد بتغيير قواعد اللعبة.

وبالاستناد إلى استطلاعات رأي وشهادات وتحليلات سياسية، رسمت المجلة صورة شاملة لانقسام آخذ في الاتساع عبر الأحزاب والأجيال والمجتمعات، مع ما يحمله من احتمالات لإعادة تشكيل السياسة الخارجية الأميركية تجاه إسرائيل.

كيف تخسر إسرائيل أمريكا؟

في موضوعها الرئيس تحت عنوان "كيف تخسر إسرائيل أمريكا"، أوضحت "الإيكونوميست" أن تصريحات نتنياهو بجانب وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، التي يصف فيها التحالف بـ"صلب كحائط المبكى"، لم تعد تنسجم مع الواقع. 

أخبار ذات علاقة

رياض منصور، مندوب فلسطين لدى الأمم المتحدة

غضب فلسطيني بعد "الفيتو" الأمريكي بمجلس الأمن ضد وقف حرب غزة

وتُظهر الأرقام أن 53% من الأمريكيين يحملون، اليوم، آراء سلبية تجاه إسرائيل، فيما بلغ التعاطف معها مقابل الفلسطينيين أدنى مستوى منذ 25 عامًا، و43% يرون أن إسرائيل ترتكب "إبادة جماعية" في غزة.

التراجع الأشد برز بين الديمقراطيين الأكبر سنًا، إذ ارتفعت النظرة السلبية لديهم 23 نقطة خلال 3 سنوات؛  أما بين الجمهوريين الشباب، فهبط التأييد من 63% العام 2022، إلى انقسام شبه متساوٍ حاليًا؛ وحتى بين الشباب الإنجيليين، الذين كانوا ركيزة الدعم التقليدي، انخفض التأييد من 69% في 2018 إلى 34% العام 2021، والاتجاه النزولي ما زال مستمرًا.

وعلى مدى عقود، ارتكزت العلاقة الأمريكية-الإسرائيلية على مزيج من "القيم المشتركة" والمصالح الإستراتيجية، من الحرب الباردة حتى مواجهة التطرف الإسلامي؛ لكن في العقد الأخير، تبنّى الشباب الأمريكيون تفسيرات "استعمارية" للصراع، رافضين سياسات حكومة اليمين الإسرائيلية. 

وترى المجلة أن نتنياهو ربط مستقبل إسرائيل بالمخيم الجمهوري، ما أبعد الديمقراطيين، بينما بدأت الشروخ تظهر حتى داخل اليمين.

أمريكا تقع خارج حبها مع إسرائيل

في مقال آخر بعنوان "أمريكا تفقد حبها لإسرائيل"، رصدت الإيكونوميست اتساع رقعة الخطاب المناهض لإسرائيل بين رموز تيار MAGA، مثل: مارجوري تايلور غرين، وستيف بانون، وتاكر كارلسون، إذ وصفت غرين ما يجري في غزة بـ"الإبادة" وأعلنت رفضها تمويل "حرب أجنبية على أرض أجنبية".

أخبار ذات علاقة

أحد سفن نقل البضائع في ميناء رافينا الإيطالي

تحملان متفجرات.. ميناء إيطالي يرفض دخول شاحنتي سلاح لإسرائيل (فيديو)

لم يعد هذا التراجع مقتصرًا على الأوساط التقدمية؛ بل شمل قادة محافظين وقواعدهم، خاصة بعد الحرب على غزة والضربة الأمريكية-الإسرائيلية المشتركة ضد إيران في يونيو. 

وأبرزت المجلة أيضًا تصدعات داخل الكونغرس: ففي يوليو صوّت 24 من أصل 47 سيناتورًا ديمقراطيًا لوقف شحنات السلاح لإسرائيل، مقارنة بـ18 فقط في نوفمبر الماضي؛ وأقرّ نواب مثل جيك أوشينكلوس بأن ضغوط ناخبيهم تدفعهم لمراجعة مواقفهم باستمرار.

كما أشار التقرير إلى استثمار ناشطين مناهضين لإسرائيل علاقاتهم بحركات مثل "حياة السود مهمة"، لجذب الشباب الأمريكي، ليس فقط في اليسار بل في الوسط أيضًا؛ وحتى سياسيون مؤيدون تقليديًا لتل أبيب، مثل النائب ريتشي توريس في نيويورك، يواجهون تحديات انتخابية من نشطاء يدعمون مرشحين مناوئين مثل ظفران مامداني.

في المقابل، يواصل نتنياهو التوسع في الاستيطان ويقدّم إسرائيل باعتبارها "سوبر سبارطة" قادرة على الاعتماد على قوتها العسكرية وحدها، وهو ما وصفته المجلة بـ"الوهم المأساوي" الذي قد يعزل إسرائيل عن درعها الحقيقي: الولايات المتحدة.

دولة فلسطينية تتلاشى

لم تغفل الإيكونوميست الجانب الفلسطيني، مشيرة إلى أن الاعتراف الدولي المتزايد بالدولة الفلسطينية يتناقض مع واقع متدهور على الأرض: بنية تحتية منهارة، ورواتب غير مدفوعة، ومدارس مغلقة، واعتماد اقتصادي متنامٍ على إسرائيل؛ ويبحث الشباب الفلسطيني المحبط عن فرص للهجرة إلى عمّان أو أوروبا.

أخبار ذات علاقة

لحظة انفجار المسيرة داخل فناء الفندق الإسرائيلي

بمسيرة حوثية.. تفاصيل استهداف فندق إسرائيلي في إيلات (فيديوغراف)

وألقى التقرير الضوء على سياسات وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش التي عطلت تحويل الأموال وقيّدت عمل البنوك، إلى جانب قفزة الاستيطان والبؤر العشوائية التي تضاعفت 4 مرات منذ 2018، ما جزّأ الضفة الغربية إلى جزر معزولة. 

كما طرح بعض المستشارين أفكارًا مثل "إمارة الخليل" تحت إشراف إسرائيلي، بينما عبّر عدد من تجار المدينة عن اهتمام – ولو نظري – بالحصول على جوازات إسرائيلية.

وفي الداخل الإسرائيلي، أظهرت استطلاعات رأي دعمًا غير مسبوق بين اليهود لفكرة طرد الفلسطينيين من غزة والضفة.

مخاطر بعيدة المدى

ورغم التشاؤم، ينقل التقرير عن بعض المتفائلين تأكيدهم على متانة التنسيق الأمني الأمريكي-الإسرائيلي، وتطور التعاون العسكري ضد إيران، ومكانة إسرائيل في الشرق الأوسط؛ غير أن الإيكونوميست تحذّر من أن الخطر الأكبر يكمن في التحولات البطيئة بوعي الرأي العام الأمريكي، لا في الخلافات الآنية.

ومع اقتراب انتهاء اتفاق المساعدات العسكرية العام 2028، تزداد المخاوف في القدس من احتمال رفض ترامب تجديده بشروطه الحالية. 

ويدرس مسؤولون إسرائيليون إعادة تقديم الحزمة بوصفها "شراكة" تكنولوجية ودفاعية، بدلاً من كونها "مساعدات"، لتمريرها بسهولة أكبر في واشنطن.

أخبار ذات علاقة

دبابات إسرائيلية داخل مدينة غزة

إعلام عبري: الجيش الإسرائيلي يتعرض لـ"حدث أمني صعب" في غزة

في الوقت نفسه، قدّم سيناتورات ديمقراطيون، بقيادة جيف ميركلي، مشروع قرار يدعو ترامب للاعتراف بدولة فلسطينية منزوعة السلاح. 

ورغم أن فرص تمريره شبه معدومة بسبب سيطرة الجمهوريين، أراد واضعوه توجيه رسالة قبل اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة وحث الإدارة على معالجة أزمة غزة.

ليست هذه المرة الأولى التي تضع فيها الإيكونوميست إسرائيل على غلافها؛ ففي مارس 2024، بعد أكثر من 5 أشهر من القتال في غزة، عرض الغلاف علمًا إسرائيليًا وحيدًا يتشبث بغصن ضعيف تحت عنوان "إسرائيل وحيدة"، بالتزامن مع انتقادات إدارة بايدن وقرار كندا وقف بيع الأسلحة.
وبعد عام، وبعد نجاحات إسرائيل العسكرية ضد حزب الله وإيران، ظهرت على الغلاف أعلام إسرائيلية متينة فوق خلفية استيطانية، بعنوان "غرور إسرائيل"، ما أثار انتقادات لاذعة بشأن ازدواجية الصورة بين عهدي بايدن وترامب.

وفي سياق متصل، خصصت مجلة "نيويوركر" هذا الأسبوع تحقيقًا بعنوان "الاحتلال الجديد لإسرائيل"، حذّرت فيه من أن خطاب "سوبر سبارطة" الذي يتبناه نتنياهو يتقاطع مع عزلة متنامية، خاصة عن الحليف الأهم، الولايات المتحدة.

وحذّر المقال من تقلص الضغوط الأمريكية، وتراجع الاستثمارات والدعم، ورسم صورة لدولة كانت رمزًا للابتكار والانفتاح، وأضحت أسيرة عسكرة مفرطة وانكفاء سياسي يهدد مكانتها وشرعيتها في الخارج – خاصة في أمريكا.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC