تفاقمت التوترات بين الصين والولايات المتحدة بعد أن وجّهت بكين تحذيرًا شديد اللهجة لإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن خطة "القبة الذهبية"، وهي منظومة دفاع صاروخي متقدمة تعتبرها واشنطن ضرورية لحماية أراضيها من التهديدات العالمية المتصاعدة.
وتكشف الوثيقة الصينية الجديدة حول ضبط التسلح عن حجم المخاوف التي تثيرها المبادرة الأمريكية لدى بكين، التي ترى فيها تهديدًا للتوازن الاستراتيجي وركيزة جديدة لسباق تسلح متعدد الجبهات، بحسب مجلة "نيوزويك".
معركة على التوازن الاستراتيجي
وتقول الصين إن النظام الدفاعي الأمريكي المقترح يذهب نحو "الأمن المطلق"، على حساب مصالح دول أخرى، وعلى رأسها الصين وروسيا.
ويستند الموقف الصيني إلى أن "القبة الذهبية"، وهي شبكة من الرادارات والصواريخ الاعتراضية وأجهزة استشعار فضائية، قادرة نظريًا على تحييد جزء من القدرة الردعية النووية الصينية.
ترى بكين أن الأمر لا يتعلق بدفاع صاروخي فقط، بل بتغيير قواعد اللعبة الاستراتيجية، خاصة أن الولايات المتحدة تطور عناصر من المنظومة يمكن نشرها في الفضاء، ما تعتبره الصين اختراقًا خطيرًا لسقف التسلح.
ويأتي هذا الاعتراض في وقت تواصل فيه الصين تطوير ترسانتها النووية وصواريخها الباليستية طويلة المدى، في إطار ما تسميه "الردع الدفاعي"، بينما تتهم واشنطن بكين بتسريع وتيرة التوسع النووي بوتيرة غير مسبوقة.
تنافس دفاعي يمتد من فضاء الكوكب إلى جزر آسيا
في الكتاب الأبيض الذي أصدره مكتب الإعلام التابع لمجلس الدولة الصيني، ألقت بكين باللوم على واشنطن بسبب انسحابها من معاهدة الصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية عام 2002، معتبرة أن ذلك كان بداية "انهيار الثقة الاستراتيجية" مع روسيا والصين.
وتذهب الوثيقة أبعد من ذلك، متهمة الولايات المتحدة بنشر أنظمة صاروخية هجومية في آسيا والمحيط الهادئ، في إشارة إلى منظومات "تايفون" المنتشرة في الفلبين واليابان، ضمن استراتيجية "سلسلة الجزر الأولى" الأمريكية لاحتواء النفوذ العسكري الصيني.
في المقابل، تبرّر الصين تطوير دفاعاتها الصاروخية بأنه "لأغراض وقائية"، مستشهدة ببيئة أمنية إقليمية معقدة، وتزايد النشاط العسكري الأمريكي في محيطها الجغرافي.
وتشير الوثيقة أيضًا إلى أن تقنيات الصواريخ الصينية تُستخدم "لردع الحروب"، بينما تتهم واشنطن بالتشجيع على عسكرة آسيا.
سباق تقني مفتوح
تشير التقديرات الأمريكية إلى أن خصومها، وعلى رأسهم الصين وروسيا، طوروا صواريخ أكثر دقة وسرعة وقدرة على المناورة، بما في ذلك الصواريخ فرط الصوتية التي قد تعجز الأنظمة التقليدية عن اعتراضها.
لذلك تعتزم إدارة ترامب تسريع تطوير "القبة الذهبية" بصفتها الردّ الدفاعي الأبرز على التهديدات المتنامية؛ لكن بكين ألمحت في وثيقتها إلى أنها ستواجه أي خطوة تمسّ "مصالحها الأساسية"، ما يفتح الباب أمام سيناريوهات متعددة؛ تتضمن تعزيز تطوير صواريخ قادرة على اختراق الدفاعات الأمريكية، والتوسع في الأنظمة المضادة للأقمار الصناعية، وبناء تحالفات أمنية مضادة أو تعزيز التعاون الدفاعي مع روسيا.
ورغم أن الكتاب الأبيض يتجنب التصعيد المباشر، فإن رسالته الأساسية واضحة؛ الصين لن تقف مكتوفة الأيدي أمام توسيع الدرع الصاروخي الأمريكي.
يكشف الاشتباك الدبلوماسي الجديد حول "القبة الذهبية" عن مرحلة جديدة في المنافسة الاستراتيجية بين بكين وواشنطن؛ فالمسألة لم تعد مجرد تطوير أنظمة دفاعية، بل أصبحت جزءًا من صراع أشمل على النفوذ والردع والتحكم في توازن القوى العالمي.
وفي ظل تعاظم قدرات الصين وتصلّب مواقف إدارة ترامب، تبدو الساحة الدولية مقبلة على سباق تسلح صاروخي مفتوح، قد يحدد ملامح الأمن العالمي في السنوات المقبلة.