ذهب خبراء في العلاقات الدولية إلى أن بريطانيا خسرت كثيراً من ذهابها مع وعود الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتحقيق مكاسب من خروجها من الاتحاد الأوروبي عبر التوقيع على "البريكست"، وتقديمه وعوداً بصفقات اقتصادية وتجارية كبرى لم يوفِ بها؛ ما جعلها تفكر جدياً في العودة مؤخراً مرة أخرى إلى الاتحاد الأوروبي.
وأوضحوا في تصريحات لـ"إرم نيوز" أن التحالف التاريخي بين واشنطن ولندن بات محاطاً بمؤثرات بفعل سياسات الرئيس الجمهوري، خاصة مع عدم التزام الأخير بتوجيه الدعم والمساندة للأوروبيين، وعلى رأسهم بريطانيا، في مواجهة الخطر الروسي تجاه الناتو في الحرب الأوكرانية.
ويقوم الرئيس الأمريكي بزيارة رسمية إلى بريطانيا، تشمل لقاءات مع العائلة المالكة ورئيس الوزراء كير ستارمر، وسط احتجاجات غاضبة في شوارع لندن أظهرت انخفاض شعبية الرئيس الأمريكي في المملكة المتحدة، حيث افتتح برنامج زيارته باستقبال رسمي في قصر وندسور، بعيداً عن المظاهرات المعارضة له في شوارع لندن، ليشهد اليوم الخميس لقاءات واجتماعات مع وزراء ومسؤولين وسط انعقاد لجان مشتركة بين البلدين تتعلق بملفات عسكرية وتجارية واقتصادية.
وفي هذا الإطار، يوضح أستاذ العلوم السياسية بجامعة جورج واشنطن، الدكتور نبيل ميخائيل، أن علاقات دونالد ترامب مع بريطانيا عادية، وليست قوية على المستوى الشخصي مع رئيس الوزراء كير ستارمر، مشيراً إلى أنه لا توجد الشراكة الاستراتيجية الأمريكية–البريطانية التي برزت تاريخياً في مواقف عديدة، مثل التعاون بين رئيس الوزراء الأسبق توني بلير والرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن، أثناء حرب الخليج في العام 2003.
وأضاف ميخائيل في حديث لـ"إرم نيوز"، أن ترامب لا يزال يقدّر بريطانيا، خصوصاً وأن أصول والدته تعود إلى اسكتلندا، إلا أنه يرى أن لندن لا تساعده في إنهاء حرب أوكرانيا، إذ يعتبرها دولة ما زالت تسعى إلى تسليح كييف وتخشى من أي تقارب أمريكي-روسي، لافتاً إلى أن بريطانيا لم تغيّر موقفها كثيراً، فهي ما زالت مؤيدة لحرب إسرائيل في غزة، رغم وجود اعتراضات داخلية أو بوادر اعتراف محتمل بالدولة الفلسطينية المزمع إعلانها.
كما لفت إلى أن ترامب في المجال الاقتصادي يخوض نوعاً من الحرب أو المنافسة التجارية مع إنجلترا باعتبارها دولة أوروبية، وذلك من خلال الرسوم الجمركية المرتفعة التي فرضها على منتجات الاتحاد الأوروبي، مؤكداً أنه لا توجد أزمة كبيرة في العلاقات الأمريكية–البريطانية، لكنها أيضاً لا تتميز بالدفء أو التقارب.
وأشار إلى أن مصير هذه العلاقات سيظل قائماً، نظرًا للمصالح الكبيرة والمتعددة بين البلدين، موضحاً أن أي تطور في الشرق الأوسط، مثل العلاقة مع إيران أو الموقف في سوريا ولبنان والقضية الفلسطينية وحرب غزة، قد يدفع نحو نوع من تقارب المواقف بين بريطانيا والولايات المتحدة.
واختتم ميخائيل حديثه بالتأكيد على أن "ترامب لا يسعى إلى الاستعانة بوساطة بريطانية أو الدخول في شراكة استراتيجية مع لندن في التعامل مع العديد من الأزمات الدولية، وخاصة ما يتعلق بالعلاقة مع الصين وإنهاء حرب أوكرانيا، حيث ما زال هناك تباعد واضح في المواقف بين واشنطن ولندن بشأن هذه القضايا".
من جهته، يقول الخبير في العلاقات الدولية، محمد رجائي بركات، إن الزيارة تتضمن اجتماعات بشأن التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين، بعد أن دفع ترامب البريطانيين في ولايته السابقة نحو توقيع اتفاق البريكست وخروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، ووعدها مقابل ذلك بإتمام صفقات واتفاقات وصفها بالعظيمة وأنها ستعوض لندن عن الخروج الأوروبي، وهو ما لم يحدث.
وذكر بركات لـ"إرم نيوز"، أن ترامب لم ينفذ وعوده ولم يتم التوقيع على اتفاقيات تجارية واقتصادية مع بريطانيا تعوّضها عن الخسائر الناجمة عن خروجها من الاتحاد الأوروبي، في وقت تشير فيه كافة الإحصائيات إلى أن لندن خسرت على مستويات اقتصادية ومالية بخروجها من تكتل القارة العجوز.
وأضاف أن الرئيس الأمريكي سيجتمع مع وفود اقتصادية لإجراء مفاوضات مع ستارمر ورجال أعمال بريطانيين من أجل التوقيع على اتفاقيات اقتصادية وتجارية، وسط تساؤلات عن مدى تعويض ذلك الخسائر الاقتصادية التي لحقت بالبريطانيين بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي، في ظل تعاملهم مع رجل يرفع شعار "أمريكا أولاً"، مستبعداً تعويض ترامب لبريطانيا عبر التوقيع على اتفاقيات تناسب الخسائر التي تكبدتها لندن على أثر خروجها من الاتحاد الأوروبي.
وأشار إلى أن من الناحية السياسية والعسكرية، فإن بريطانيا، حليفة للولايات المتحدة أثناء وجودها بالاتحاد الأوروبي، كانت تلبي وتطبق ما هو لصالح السياسات الأمريكية، ولكن الآن شعرت مع ترامب بأن الوعود واعتماد لندن دفاعياً على واشنطن لم يكن مجدياً ونافِعاً، وتجسّد ذلك في مواقف الرئيس الجمهوري في الحرب في أوكرانيا بعدم تقديم الدعم الكافي إلى كييف لمواجهة الجيش الروسي.
وتابع بركات أن "ما حصدته لندن في حكم ترامب، سواء الولاية الأولى أو الثانية، انعكس في ردود الفعل لدى مسؤولين بريطانيين أكدوا أن اعتمادهم اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً على الولايات المتحدة ليس كما يراهنون، وسط مؤشرات بأن هذه الزيارة لن تعيد العلاقات الأمريكية–البريطانية إلى سابق عهدها، لأسباب منها أيضاً أن ترامب يريد فرض رسوم جمركية على البضائع القادمة من بريطانيا بشكل لا يعكس وجود أي تحالف".
وبحسب بركات، فإن بريطانيا تتوجه في الوقت الحالي أكثر نحو الاتحاد الأوروبي، وسط ما يدور في الكواليس عن أن يكون هناك محاولات لعودة تدريجية للتكتل الأوروبي، وهو ما تطرّق له مسؤولون سياسيون بعد شعور لندن بالخسارة اقتصادياً ومالياً بعد الخروج، لذلك اتضح تقارب بين لندن ودول الاتحاد مؤخراً.