مع حلول ساعة العودة البرلمانية في فرنسا، اليوم الأربعاء، عاد النواب وأعضاء مجلس الشيوخ إلى مقاعدهم لافتتاح دورة عادية جديدة مليئة بالتحديات السياسية والتشريعية.
البداية كانت من قصر بوربون حيث الجمعية الوطنية، التي انطلقت جلستها بانتخاب أعضاء مكتبها المكوَّن من 22 نائبًا، وهي الهيئة التنفيذية العليا للمجلس، في استحقاق سياسي حساس قد يعيد تشكيل موازين القوى داخل المؤسسة التشريعية.
وأكدت رئيسة الجمعية الوطنية، يايل براون-بيفيه، أن عرض مشروع الموازنة العامة على البرلمان سيتم في المواعيد المحددة مطلع أكتوبر/ تشرين الأول، رافضة أي حديث عن "تأخير" في المسار الدستوري.
وقالت: "نحن اليوم في الأول من أكتوبر، والميزانية ستُقدَّم في وقتها المحدد"، بحسب محطة "بي.إف.إم" التلفزيونية الفرنسية.
وتتركز الأنظار على انتخابات المكتب الجديد للجمعية الوطنية، حيث يجري التنافس على: 6 نواب للرئاسة (نواب الرئيس)، و 3 مناصب للنوّاب المراقبين الماليين (questeurs)، و12 منصبًا للسكرتارية، في حين تبقى رئاسة البرلمان بيد براون-بيفيه.
وفي سابقة مثيرة، قد يشهد المكتب عودة حزب "التجمع الوطني" من أقصى اليمين إلى هذه الهيئة التنفيذية، بعدما تم استبعاده العام الماضي بفعل ما سُمّي بـ"الجبهة الجمهورية" التي تشكّلت ضد أقصى اليمين.
ورغم إعلانها عن تمسكها بـ"الحاجز الجمهوري" ضد أفكار التجمع الوطني، شددت براون-بيفيه على ضرورة تمثيل جميع القوى السياسية داخل المكتب البرلماني، معتبرة أن إقصاء 174 نائبًا (من التجمع الوطني وحلفاء آخرين) يشكّل "خللًا ديمقراطيًا".
وأضافت: "أنا لا أدافع عن حزب بعينه، بل عن مبدأ التعددية الديمقراطية"، مؤكدة أن "الجميع يجب أن يكون حاضرًا في المؤسسة".
وتأتي العودة البرلمانية في ظل أزمة سياسية حادة، إذ لم يتمكن رئيس الوزراء الجديد سيباستيان لوكورنو حتى الآن من إعلان تشكيل حكومته، رغم مرور أكثر من 3 أسابيع على تعيينه.
ومن المتوقع أن يلقي لوكورنو بيانه السياسي العام الأسبوع المقبل، بعد الإعلان عن التشكيلة الوزارية، بحسب صحيفة "لوموند" الفرنسية.
وفي هذا السياق، قالت براون-بيفيه إنه من "الصعب التخلي عن أدوات دستورية مثل المادة 49.3" في ظل الانسداد السياسي، في إشارة إلى الأداة الدستورية المثيرة للجدل التي تسمح للحكومة بتمرير القوانين من دون تصويت برلماني كامل.
ويخشى اليسار من فقدان أغلبيته داخل المكتب، بعدما كان يسيطر على 13 مقعدًا من أصل 22، فيما يطمح التجمع الوطني للعودة بقوة، خاصة مع تمتعه بأكبر كتلة (123 نائبًا)، وقد يستعيد مقعدين على الأقل كنائبَي رئيس.
أما الوسط (الكتلة الماكرونية وحلفاؤها)، فيسعى إلى إعادة التوازن ومنع احتكار أي طرف للهيئة.
في موازاة ذلك، أعرب نواب التجمع الوطني عن استيائهم من عدم دعوتهم لمشاورات في قصر الحكومة، وهاجموا رئيس الوزراء لوكورنو، معتبرين وعوده بتجديد الممارسة السياسية "خدعة" بعد 8 سنوات من حكم الرئيس إيمانويل ماكرون.
ويدخل البرلمان عامه التشريعي الجديد وسط تقاطعات معقدة: ميزانية عامة مثقلة بالديون، وأزمة اجتماعية متصاعدة، وأزمة سياسية مع حكومة لم ترَ النور بعد، وصراع متجدد حول تمثيل القوى السياسية في أعلى هيئة برلمانية، وملفات حساسة مثل استخدام المادة 49.3، واحتمال حجب الثقة عن الحكومة.
وفي كل هذا المشهد، تحاول يايل براون-بيفيه أن تقدم نفسها كضامنة لـ"الشرعية الديمقراطية" داخل البرلمان، مؤكدة أن التعددية والتمثيل لا يتعارضان مع الالتزام بمبدأ "الحاجز الجمهوري" ضد اليمين المتطرف.