تعيش دول أوروبية صدمة عارمة بعد قرار أمريكي غير معلن رسمياً يقضي بوقف كافة صفقات السلاح بين الولايات المتحدة والغرب، وسط توتر متصاعد مع روسيا.
وكشفت مجلة "ذي أتلانتيك" عن وقف الولايات المتحدة بعض مبيعات الأسلحة إلى دول أوروبية، أبرزها صفقة صواريخ "باتريوت" لصالح الدنمارك، تُعد الأكبر من نوعها في تاريخ الدنمارك.
واعتبرت المجلة، في تقرير لها، تلك الخطوة "أول الدلائل على تغير نهج الولايات المتحدة بشأن بيع المعدات العسكرية لأوروبا، مع اقتراب الدنمارك من اتخاذ قرار بشأن شراء نظام دفاع جوي بمليارات الدولارات".
وأدت الحرب في أوكرانيا إلى استنزاف المخزونات ليس فقط في الولايات المتحدة، ولكن في جميع أنحاء أوروبا؛ ما أدى إلى مناقشات حول كيفية تنشيط القاعدة الصناعية الدفاعية بشكل أفضل.
وكان نظام "باتريوت"، الذي فكرت الدنمارك في شرائه، من أكثر الأسلحة طلبًا من أوكرانيا، وقد أدى استخدامه المكثف في الحرب ضد روسيا، ومن قِبل إسرائيل في الشرق الأوسط، إلى تأجيج المخاوف بشأن مخزوناته؛ ما أدى إلى تعليق الصادرات حاليًا.
ونقلت عن مسؤولين قولهم إن نائب مساعد وزير الحرب إلبريدج كولبي "لا يُعجبه بيع صواريخ باتريوت الاعتراضية إلى الدنمارك؛ نظرًا لندرتها، حيث يرى وجوب تخصيصها للولايات المتحدة لاستخدامها عند الحاجة".
وأفاد مسؤولون في الإدارة الأمريكية، في حديث للمجلة، بأن "وزارة الحرب رصدت نقصًا في بعض الأسلحة، وأنها تسعى لوقف أي طلبات جديدة من أوروبا للحصول على هذه الأنظمة".
وبحسب المسؤولين الأمريكيين، لم تتضح مدة هذا التجميد، أو عدد الأسلحة المدرجة في القائمة، أو ما إذا كان من الممكن توسيعها لتشمل المزيد من الأسلحة، وفق المجلة.
وسادت مخاوف بشأن نقص صواريخ "باتريوت" لأشهر، فوفقًا لمسؤولين في وزارة الحرب، "تمتلك الولايات المتحدة حوالي 25% فقط من صواريخ الاعتراض اللازمة للخطط العسكرية للبنتاغون".
وتقول المجلة: "لكن نظام باتريوت لا يوجد له معادل أوروبي حقيقي، وهو ما يجعله نظامًا قيّمًا ومطلوبًا بشدة في قارة أصبحت تشعر بالقلق مؤخرًا بشأن الهجمات الجوية، وهو الخطر الذي تأكد اليوم بعد أن أعلنت إستونيا أن الطائرات العسكرية الروسية انتهكت مجالها الجوي".
ورأت "ذي أتلانتيك" أنه "إذا كان هذا الإيقاف طويل الأمد، فإنه يخاطر بخلق خلافات جديدة مع الحلفاء، وإضعاف دفاعاتهم في وقت تشكل فيه روسيا تهديدًا وشيكًا، وتقليص النفوذ العسكري الأمريكي في جميع أنحاء القارة".
وبدأت الولايات المتحدة في بيع المعدات العسكرية للدول التي اعتبرتها صديقةً، كوسيلةٍ لتعزيز تحالفاتها في ذروة الحرب الباردة وتوسيع نفوذها في الخارج.
وتُعزز الصواريخ الأمريكية المضادة للسفن، وقاذفات الصواريخ، والطائرات المقاتلة، قدرة تايوان على الدفاع عن نفسها ضد خطر الغزو الصيني.
ورغم الجدل الدائر حول المبيعات العسكرية لإسرائيل، إلا أنها وفرت لها حماية من هجمات عديدة، بما في ذلك الهجمات الأخيرة التي شنتها حركة حماس وإيران، وفق المجلة.
وبفضل أنظمة الدفاع الجوي الأمريكية وأنظمة الدفاع المضاد للدبابات، وناقلات الجنود المدرعة، وغيرها من المدفعية ــ بعضها اشترته دول أوروبية ثم أُعطيت لأوكرانيا ــ لم تصب الحكومة في كييف بالانهيار في مواجهة الحرب الروسية الشاملة.
لكن الأولويات تغيرت مع تزايد أعداد المؤيدين لشعار "أمريكا أولاً" في المناصب العليا في إدارة الرئيس دونالد ترامب الثانية. ويبدو أن الإدارة مستعدة لإعطاء الأولوية لتجديد المخزونات الأمريكية على علاقاتها مع حلفائها القدامى. ولكن من غير المعتاد اتخاذ قرار حاسم كهذا دون مساهمة ومراجعة مكثفة من وكالات الحكومة، وخاصة وزارة الخارجية.
ونفى مستشار وزارة الخارجية، مايكل نيدهام، التلميحات التي تُشير إلى أن الوزارة قد تعرّضت لخطأ جسيم، وقال للمجلة: "أي شخص يحاول اختلاق قصص عن خلاف بين وزارة الخارجية ووزارة الحرب يفعل ذلك لمعارضته أجندة الرئيس ترامب 'أمريكا أولاً'".
ويقول مسؤولون ومراقبون في إدارة ترامب إن هذا التغيير يتماشى مع اعتقاد كولبي بأن الصين هي الدولة الوحيدة التي تمتلك الطموح والموارد والقوة العسكرية الكافية لإسقاط الولايات المتحدة من عرشها كقوة عظمى عالمية.
وجادل كولبي بأن السبيل الوحيد لوقف مساعيها للهيمنة العالمية هو أن تبذل الولايات المتحدة كل ما في وسعها لتأمين غرب المحيط الهادئ، وإن كان ذلك على حساب الأمن الأوروبي.
وأرسلت عدة دول أوروبية بعضًا من أفضل أسلحتها إلى أوكرانيا لمساعدتها في الدفاع عن نفسها ضد الحرب الروسية، وفي المقابل، اشترت هذه الدول أسلحة أمريكية الصنع لسد مخازنها.
وقال مارك كانسيان، عقيد متقاعد في مشاة البحرية ومستشار في "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية": "نقول للأوروبيين إننا نريدهم أن يرسلوا أسلحة إلى أوكرانيا ويشتروا بدائل، لكننا نقول لهم: (لا يمكنكم الحصول عليها)".
وأضاف: "نقول لهم أيضًا أن يدافعوا عن أنفسهم، لكننا نقول لهم إننا لن نبيعهم ما يحتاجونه لذلك"، مكملاً: "هذا يُقوّض أمن حلفائنا الأوروبيين، لكن الإدارة الحالية تُولي أمنهم أولوية أقل بكثير من الإدارات السابقة".
ويجادل المدافعون بأن المبيعات العسكرية الخارجية تُسهم في تمويل توسيع خطوط الإنتاج والبحث والتطوير لأنظمة أسلحة جديدة. ويشيرون إلى أن شركة بوينغ، على سبيل المثال، تمكنت من إنتاج طائرة "F-15EX"، وهي نسخة مُحدثة من طائرة "F-15" المقاتلة.
وتحظى الصادرات بدعم قوي في الكونغرس، حيث يُقدّر المشرعون الوظائف التي تُنتجها في دوائرهم الانتخابية. وقد يكون ذلك كافيًا في النهاية لإجبار استئناف المبيعات.
من جهتها، رأت كارا أبيركرومبي، مساعدة وزير الدفاع لشؤون المشتريات في إدارة بايدن، أنه حتى لو لم تُسفر مناقشات وقف بيع الأسلحة إلا عن تباطؤ، فإن الحلفاء سيبدأون حتمًا بنقل أعمالهم إلى جهات أخرى.
وقالت: "إذا كنت دولة في أوروبا تولي اهتمامًا كبيرًا بالصواريخ أو الطائرات بدون طيار الروسية التي تحلق في مجالها الجوي، فإنك حريص على التأكد من أن لديك صواريخ اعتراضية في المخزون".
وختمت بالقول: "إذا قيل لك إن الانتظار لمدة عامين بالفعل سيصبح الآن انتظارًا لمدة 5 سنوات، فسوف يكون لديك حافز كبير للبدء في البحث عن بدائل أخرى".