بينما تعيش أوروبا بسلام، تواجه أوكرانيا اختبارًا يوميًا من أجل حمايتها، المدن الواقعة على خط المواجهة، مثل خاركيف، ليست مجرد مسارح للحرب، بل درع يحمي حرية القارة.
يقول إيغور تيريخوف، عمدة خاركيف ورئيس رابطة المدن والمجتمعات في الخطوط الأمامية، إن صمود المدينة يمثل مستقبل أوروبا الحرة والآمنة، حيث يتحمل السكان نيران الهجمات اليومية ويختارون الحياة رغم كل التحديات.
وبحسب "يورونيوز"، فمنذ بداية الغزو الروسي في فبراير 2022، تعرضت خاركيف لهجمات صاروخية متكررة استهدفت البنية التحتية الحيوية، بما في ذلك محطات الطاقة وشبكات النقل والمياه.
تواجه المدينة انقطاعات مستمرة في الكهرباء والتدفئة، واضطرابات في وسائل النقل العام، ما جعل المترو ملاذًا آمنًا، وحوّل الترام والحافلات إلى بدائل مؤقتة.
ومع ذلك، يعمل عمال البلدية وفنيّو الطاقة على مدار الساعة لإعادة تشغيل المنشآت الأساسية، مؤكّدين قدرة المدينة على الصمود حتى في أصعب الظروف.
في مواجهة القصف المستمر، أطلقت خاركيف مبادرات لتوفير الدفء والنور والدعم الإنساني، هذه "النقاط التي لا تُقهر" لم تقتصر على توفير الخدمات الأساسية، بل أصبحت رمزًا للتضامن والمقاومة المجتمعية.
يروي تيريخوف ذكريات مؤثرة عن الأشهر الأولى للحرب، مثل لقائه بطفلة في أحد الملاجئ لم ترَ ضوء النهار لمدة شهر كامل، أو سكان أحياء خاركيف الذين عاشوا تحت الأرض للحماية من القصف.
توضح هذه التجارب الإنسانية ثمن الصمود، لكنها أيضًا تجسد الروح الجماعية التي تبقي المدينة واقفة، وتجعل من المجتمعات الأمامية حائط الصد أمام العدوان الروسي.
نحو أوكرانيا أوروبية حديثة
قصص خاركيف تتكرر في مئات المدن الأخرى على خط المواجهة، لتنسيق جهود التعافي وتعزيز الصمود، أسست ما يقرب من 200 مدينة وبلدية رابطة للمدن والمجتمعات الأمامية.
تهدف الرابطة إلى تبادل المعرفة والخبرات، وضمان مشاركة المجتمعات المحلية في عملية إعادة البناء، وربط الاحتياجات المحلية بالخبرة الأوروبية والدولية.
أوكرانيا تواجه تحديًا مزدوجًا بين مقاومة العدوان الروسي والاستعداد لإعادة بناء المدن بعد الحرب، بما يشمل أنظمة طاقة محمية ومدارس آمنة وأماكن عامة تعيد الثقة بالحياة.
ويؤكد تيريخوف أن المدن الأمامية يجب أن تصبح "مهندسة التعافي"، لتحويل دروس الحرب إلى مرونة دائمة وفرص تطوير مستدامة.
تعيش خاركيف اليوم، رغم ندوبها، حياة شبه طبيعية لما يقارب 1.3 مليون نسمة، وهي نموذج للصمود والقدرة على التعافي.
ويشير تيريخوف إلى أن حماية هذه المدن ليست فقط مهمة أوكرانية، بل خط دفاع عن المبادئ الديمقراطية في أوروبا.
تسعى أوكرانيا مع دعم الاتحاد الأوروبي والشركاء الدوليين، إلى بناء مستقبل أقوى، يضمن لأطفالها الدراسة بأمان وعيش حياة حرة، ويحول المدن الأمامية إلى رمز للأمل الأوروبي، حيث يبدأ التعافي من قلب المعاناة.
تُثبت خاركيف والمدن الأوكرانية على الخطوط الأمامية أن الحرب لا تختبر فقط القوة العسكرية، بل تقيم أيضًا روح المجتمعات وقدرتها على الصمود والتجدد.
ومع كل إصلاح لمولد كهرباء أو مدرسة جديدة، تُعيد أوكرانيا صياغة مستقبلها، وتبني أوروبا أكثر أمانًا وحداثة، مدينة بعد مدينة.