logo
العالم

من الرسوم إلى السموم.. كيف أصبح الفنتانيل عنوان الصراع الأخطر بين أمريكا والصين؟

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الصيني شي جين بينغالمصدر: رويترز

أكدّت مخرجات قمة "بوسان" بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره شي جين بينغ، الأهميّةَ الكبرى التي باتت تضطلع بها قضية "الفنتانيل" في صلب السياسات الإستراتيجية الأمريكية، فيما تؤكد مصادر ميدانية صعوبة السيطرة على منظومة تهريب هذه المادة إلى داخل الولايات المتحدة، في ظلّ اتساع الحدود البرية مع كندا والمكسيك.

وكان موضوع "الفنتانيل" محورًا أساسيًّا من محاور اجتماع "بوسان"، حيث حصل ترامب على وعد صيني رسمي بمحاربة هذه المادة المخدرة وتشديد الخناق على المتاجرين بها.

أخبار ذات علاقة

من لقاء شي وترامب

ترامب يبعث رسالة تهديد إلى الصين بشأن غزو تايوان (فيديو)

ونقل ترامب عن "شي" قوله إنه سيبذل جهده لوقف تدفق "الفنتانيل"، وهي مادة أفيونية اصطناعية قاتلة تُعدّ السبب الرئيسي لحالات الوفاة الناجمة عن تناول الجرعات الزائدة في الولايات المتحدة الأمريكية.

وأشار ترامب إلى أنّ خفض الرسوم الجمركية المفروضة على الواردات الصينية من 57 في المائة إلى 47 في المائة سيكون أساسًا من خلال خفض نسبة الرسوم المفروضة على السلع ذات الصلة بالمواد الأولية التي تدخل في صناعة الفنتانيل إلى النصف لتصبح في حدود 10 في المائة.

100 ألف حالة وفاة

أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية الحرب على هذه المادة المخدرة التي تعد السبب الأول في الوفيات بين الشباب الذين تقل أعمارهم عن 45 سنة.

وسبق أن وقّع ترامب خلال هذا الصيف على تشريع يشدد العقوبات الجنائية المتعلقة بـ"الفنتانيل"، إذ ينص على تصنيف جميع المواد المرتبطة بالفنتانيل بشكل دائم ضمن الفئة الأولى في قانون المواد الخاضعة للرقابة؛ ما يؤدي إلى مقاضاة وتشديد العقوبات الجنائية على كل من يحوز أو يستورد أو يوزّع أو يصنع مواد غير قانونية مرتبطة بها، حيث يُعاقب كل من يُضبط متاجرًا بهذه المادة بعقوبة سجن إلزامية لا تقل عن عشر سنوات.

وتكشف الأرقام والإحصاءات الطبية الأمريكية عن التداعيات الخطيرة لإدمان هذه المادة، إذ يناهز معدّل الوفيات جرّاء تعاطي جرعات زائدة 100 ألف وفاة سنويًّا، فبين أكتوبر/ تشرين الأول 2023 وسبتمبر 2024 تم تسجيل 87 ألف حالة وفاة، فيما بلغت خلال الفترة ذاتها من العام الذي سبقه 114 ألف حالة وفاة.

وتؤكد المصادر الطبية الأمريكية أنّ "الفنتانيل" تفوق قوته قوة مادة "الهيروين" بـ50 ضعفًا، و"المورفين" بـ100 ضعف؛ ما يفسر المعدل المرتفع للوفيات بين شريحة الشباب، وهو معدل يفوق بأشواط كبيرة معدل الوفيات الناتجة عن إطلاق النار أو حوادث السيارات.

وتشير المصادر إلى أنّ مادة "الفنتانيل" هي مادة أفيونية اصطناعية قوية ومسببة للإدمان، وغالبًا ما يصفها الأطباء لعلاج آلام ما بعد الجراحة أو الآلام المزمنة، لكنها وجدت طريقها من السوق السوداء إلى أيدي الشباب بسبب ثمنها الزهيد وسهولة إنتاجها.

المكسيك تستنفر

حيال هذا المشهد الصحي الكارثي، وضعت إدارة ترامب محاربة هذه المادة على رأس أولوياتها الداخلية والخارجية، وفرضت رسومًا جمركية عالية على ثلاث دول من شركائها الاقتصاديين، هي: الصين وكندا والمكسيك، بسبب الاتجار بالفنتانيل.

وتعكف كندا والصين، الدولتان الجارتان للولايات المتحدة، على تسيير دوريات أمنية وعسكرية برية وجوية وبحرية للمساعدة على محاربة هذه الآفة، وأيضًا للتخفيف من حدّة الرسوم الجمركية التي ألقت بظلالها على اقتصاد الدولتين.

ونشرت المكسيك 10 آلاف فرد من قوات الحرس الوطني على طول الحدود البرية والمنافذ البحرية مع أمريكا، وادعت نجاحها في تنفيذ نحو ألف عملية اعتقال في ولاية "سينالوا"، المركز الرئيسي لتهريب المخدرات.

وأعلنت أيضًا ضبط أكبر عملية تهريب لمخدر "الفنتانيل" في تاريخ الولاية، حيث صادرت ما يزيد على طن من الأقراص المخدرة، وسلّمت واشنطن 29 من كبار زعماء عصابات المخدرات، من بينهم أفراد ينتمون إلى خمس من أصل ست عصابات إجرامية مكسيكية صنّفتها إدارة ترامب ضمن قائمة المنظمات الإرهابية.

كما فتحت المكسيك مجالها الجوي أمام المسيرات التابعة لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية لتعقّب مختبرات تصنيع "الفنتانيل" على أراضيها.

ورغم كل هذه الجهود، تؤكد المصادر الاستخباراتية أنّ المكسيك تمثل النقطة المركزية الأهم في منظومة "الفنتانيل"، بالنظر إلى ثلاثة اعتبارات أساسية: أولها أنّ التصنيع يتم في مختبرات بالمكسيك بالاستعانة بالمواد الأولية الصينية، وثانيها أنّ إدخال هذه المادة إلى الولايات المتحدة يتم أساسًا عبر المكسيك، وثالثها أنّ تبييض الأموال المتأتية من هذه المادة يتم من المكسيك إلى الصين عبر كبار تجار العملة.

مسؤولية بايدن

في هذا الارتباط بين المكسيك والصين، تكشف التقديرات الاستخباراتية الأمريكية عن تغيير في طبيعة الدور الصيني في تصنيع وتهريب هذه المادة منذ سنة 2019، معتبرةً أنّ إدارة الرئيس السابق جو بايدن لم تدعم هذا التوجّه الصيني في تعزيز جهود الحرب ضدّ "الفنتانيل".

وتشير إدارة مكافحة المخدرات الأمريكية إلى أنه منذ عام 2019 تحوّل المتاجرون الصينيون إلى حدٍّ كبير من تصنيع "الفنتانيل" النهائي إلى تصنيع المواد الكيميائية الأولية وتصديرها إلى "الكارتيلات" المكسيكية التي تتولى تصنيعه وتهريبه إلى داخل الولايات المتحدة الأمريكية.

وتؤكد المصادر الأمريكية أنّ التعاون بين بكين وواشنطن توقف بشكل شبه كامل بسبب توتر العلاقات الثنائية على خلفية الملف التايواني وجائحة كوفيد-19، قبل أن تعلن بكين في أغسطس 2022 عن تعليقها الرسمي لجميع أشكال التعاون في مجال مكافحة المخدرات وإنفاذ القانون مع الولايات المتحدة الأمريكية.

ثم عاد التعاون بشكل محدود في أواخر رئاسة بايدن، ليأخذ شكله الحاليّ مع إدارة ترامب، حيث شددت بكين الرقابة على مادتين كيميائيتين تُستخدمان في تصنيع الفنتانيل، في تعبير عن حسن نية صينية في هذا الملف.

ملف صعب

في المقابل، تؤكد بعض التقديرات السياسية والميدانية صعوبة سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية على هذه المادة التي تنتشر بشكل كبير بين أوساط الشباب الأمريكي بسبب سعرها الزهيد نسبيًّا، وقدرة عصابات الجريمة المنظمة المكسيكية على اختراق الحدود البرية لتهريبها.

وتكشف بعض المصادر الإعلامية الاستقصائية أنّ سعر بيع القرص الواحد في مدينة لوس أنجلوس الأمريكية سجل انخفاضًا كبيرًا من 6 دولارات إلى 1.5 دولار خلال عام واحد فقط، نتيجة التدفق الهائل لهذا المخدر الخطير.

وترى هذه التقديرات أيضًا أنّ الولايات المتحدة الأمريكية، التي تعاقب اليوم الدول القريبة والحدودية برسوم جمركية قاسية وتتهمها إمّا بالضلوع في الاتجار بهذه المادة وإمّا بالتهاون في مكافحتها، تتحمل بدورها مسؤولية انتشارها.

وتتمثل مسؤوليتها في نقطتين أساسيتين:
 الأولى، العجز عن التحكم في الحدود البرية والقصور عن الوصول إلى عصابات الجريمة المنظمة والمخدرات داخل الولايات المتحدة، رغم امتلاكها كل الإمكانيات المادية واللوجستية والاستخباراتية المتقدمة.
 أما الثانية، فهي أصل الإشكال، إذ إنّ أزمة "الفنتانيل" في الولايات المتحدة نشأت بسبب الموافقة القانونية غير المسؤولة على استخدام مسكنات الألم، مثل: عقار "أوكسيكونتين" في أواخر تسعينيات القرن الماضي؛ ما منح هذه المخدرات شرعية التداول والاستخدام، رغم تحذيرات المجمعات الطبية والصحية من عواقب هذه القرارات.

في المحصلة، يبدو أنّ ترامب وجد في أزمة "الفنتانيل" فرصة كبيرة لرجل استثماري يُحسن استغلال الأزمات، إذ يقدم نفسه من جهة في صورة "الرئيس الأب" الحريص على حياة مواطنيه، ومن جهة أخرى في صورة "الرئيس الحازم" في مواجهة القوى الاقتصادية الصاعدة، وفي الحالتين يكسب شعبية لدى الأوساط المحافظة الأمريكية التي تنتظرها انتخابات نصفية عام 2026، فضلًا عن استخدامه هذا الملف كورقة ضغط تفاوضية قادرة على استدرار مكاسب وتنازلات جديدة لصالح الولايات المتحدة.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC