منذ انتخابات الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، لم يتوقف النقاش بين قيادات الحزب الجمهوري ومحيط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول الرسالة السياسية المثلى، التي سوف يكون من مصلحة المجموعة الداعمة للرئيس في مجلسي النواب والشيوخ اعتمادها في حملة انتخابات التجديد النصفي العام المقبل .
هكذا يصف قيادي جمهوري، لـ"إرم نيوز"، حالة الحزب الداخلية في الوقت الحاضر، بسبب التباين في التقدير لحال الاقتصاد في العام الأول من إدارة ترامب، وتقييم فريقه الاقتصادي خلال الشهور الإثني عشر الأولى من وجودهم في العاصمة واشنطن.
الرئيس ترامب خرج قبل أسبوعين، ليجدد اتهاماته للديمقراطيين بأنهم اختلقوا خدعة عدم قدرة الأمريكيين على دفع تكاليف المعيشة بسبب سوء أدائه الاقتصادي، وذلك عندما التقى أنصاره ومؤيديه بولاية بنسلفانيا.
وفي نهاية الأسبوع الماضي، عاد ترامب لإثارة الموضوع مجددًا، ليقول العامة الأمريكيون إنه نجح في إقامة أعظم اقتصاد في تاريخ الولايات المتحدة، لكن نتائجه لاتزال بعيدة عن الظهور حتى الآن.
يقول القيادي الجمهوري إن أزمة الإغلاق الحكومي أضرت كثيرًا بوحدة القناعات بين نواب الحزب في مبنى الكونغرس، حيث أظهرت جميع استطلاعات الرأي أن أغلب الأمريكيين يحملون الجمهوريين والرئيس ترامب مسؤولية أزمة الإغلاق، وما ترتب عنها، وهو وضع أدى إلى اختلاف تقييم الحظوظ الانتخابية بالنسبة للنواب الجمهوريين، خاصة بالنسبة لأولئك الذين يمثلون دوائر انتخابية متأرجحة عادة بين الجمهوريين والديمقراطيين.
ووفق القيادي ذاته، هناك جناح داخل الحزب الجمهوري يرافع بقوة حاليًا لأجل تسريع الجمهوريين للتوصل إلى قرار بشأن تمديد العمل ببرنامج "أوباما كير" للرعاية الصحية، طالما أن الوقت أصبح ضيقًا جدًا، ولا يسمح بالتوصل إلى اتفاق مع الديمقراطيين على مشروع بديل، وذلك لتحسين وضعهم أمام خطاب الديمقراطيين في هذه المسألة، الذين يحملونهم مسؤولية الانسداد التشريعي بهذه القضية.
ويوضح القيادي أن هناك جناحًا في الحزب داخل مجلس النواب بات يرغب في العمل بصفة منفردة مع النواب الديمقراطيين، بصرف النظر عن توجهات رئيس المجلس مايك جونسون، الذي يقول إن الجمهوريين يعملون على التحضير لمشروع سيتم الإعلان عنه قريبًا، وعلى الأمريكيين انتظار الأخبار
من جانب البيت الأبيض، وعلى لسان المتحدثة باسمه كارولين ليفينت.
وأكد أن هناك عملًا يتم من وراء الأبواب المغلقة من قبل الرئيس ترامب وفريقه المعاون لأجل التوصل إلى صيغة تحمي حق عشرين مليون أمريكي في المحافظة على تأمينهم الصحي الحالي، وبنفس الكلفة المالية قبل موعد انقضاء صلاحية التشريع الحالي.
ويشير القيادي الجمهوري إلى أن حسم موقف الحزب من برنامج الرعاية الصحية مسألة مركزية بالنسبة للكثير من النواب الجمهوريين، خاصة ممن يرون فرصة إعادة انتخابهم في نوفمبر/تشرين الثاني العام المقبل مهددة، أو غير مؤكدة، وهو ما يجعل حظوظ الحزب ضيقة في المحافظة على ما يتمتع به من أغلبية في المجلس بالوقت الحاضر.
في المقابل، يقول قيادي ديمقراطي إن الرؤية واضحة للناخب الأمريكي حول من يتحمل مسؤولية الانسداد التشريعي في قضية الرعاية الصحية، ذلك لأن الحزب الديمقراطي قبل باتفاق إعادة فتح الحكومة، وإنهاء أزمة الإغلاق، وفصل موضوع الرعاية الصحية عن إنهاء حالة الإغلاق، على أمل أن يكون موضوع الرعاية الصحية هو عنوان العمل المشترك في مرحلة ما بعد عودة الحكومة الفيدرالية للعمل.
ويضيف القيادي الديمقراطي، لـ"إرم نيوز"، أن قيادة الحزب الجمهوري في الكونغرس تجنبت الحديث إلى الديمقراطيين بصورة تكاد تكون كاملة، كما عملت على إقناع البيت الأبيض بأن فكرة تمديد العمل بالقانون الحالي ليست جيدة سياسيًا للجمهوريين، وهو ما أوصل الجميع إلى حالة الانسداد الحالية، وأمام ضغط الوقت المتبقي، بات الجميع يحاول التوصل إلى اتفاق تجنبًا للتكاليف السياسية التي يمكن أن تترتب على هذا الوضع في انتخابات العام المقبل.
وبالقدر الذي يبدو فيه موضوع الرعاية الصحية مركزيًا، إلا أن موجة الغلاء الحالية باتت هي الأخرى في صلب التجاذب السياسي بين الجمهوريين والديمقراطيين من جهة، وبين الديمقراطيين والرئيس ترامب من جهة أخرى.
ولم يكن الرئيس ترامب سعيدًا بقرار الاحتياطي الفيدرالي الأسبوع الماضي، بشأن تخفيض نسبة الفائدة لمحاربة التضخم بنسبة ربع النقطة الواحدة في المئة، ويرى بذلك سوء تقدير من جانب رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، الذي لطالما وصفه بغير المؤهل، وسعى لاستبداله.
كما قال ترامب إنه توصل أخيرًا إلى اختيار البديل الذي يراه مناسبًا لإدارة المؤسسة البنكية الأولى في البلاد، ومساعدة إدارته على تحقيق أداء اقتصادي أفضل في المرحلة المقبلة.
حالة الغلاء القياسية في متاجر المواد الغذائية، وحالة الاقتصاد المتراجعة، ظهرت بصورة جلية في الأسواق الأمريكية، بسبب حالة عدم اليقين لدى المستهلكين الأمريكيين في أكبر مواسم التسوق في البلاد، وهو موسم أعياد الميلاد ونهاية العام.
لا تزال النائبة الجمهورية غرين تايلور بظهورها المتجدد في وسائل الإعلام الأمريكية، يمينية ليبرالية، تثير المزيد من الارتدادات بين زملائها السابقين في مبنى الكونغرس، وبين قواعد الحزب الجمهوري.
تقول تايلور إنها لم تعد ترى إمكانية نجاح الجمهوريين في الاستمرار بضمان الأغلبية التي يتمتعون بها حاليًا في المجلس، وذلك بسبب عدم قدرتهم على تحقيق مطالب الأمريكيين.
وتايلور، التي تغضب الرئيس ترامب أكثر مما فعلته سابقًا في كل ظهور جديد، تقول إن زملاءها من حركة الماغا، أي حركة لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى، ابتعدوا عن الفكرة الأساسية للحركة، لافتة إلى أنهم يعملون لأجل أمريكا أولًا.
وبحسب النائبة الجمهورية السابقة، فإن الكثير من النواب الجمهوريين في مبنى الكونغرس يظهرون تأييدًا علنيًا لسياسات البيت الأبيض الاقتصادية، لكنهم بعيدًا عن الكاميرات وفي المجالس المغلقة يقولون آراء مختلفة عن تلك التي يتحدثون بها علانية.
حديث تايلور يأتي في وقت أكد فيه تسعة وعشرون من نواب الكتلة الجمهورية الحالية انسحابهم من الكونغرس، وعدم استعدادهم لخوض السباق مجددًا في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وبالتالي الانسحاب من الحياة التشريعية في مقابل سبعة عشر نائبًا لدى الجانب الديمقراطي يرغبون في عدم تجديد ترشحهم لانتخابات التجديد النصفي.
ووفق القيادي الجمهوري، فإن هناك اتفاقًا داخليًا بين قيادات الحزب على اللجوء إلى الاعتماد على حضور الرئيس ترامب في حملة دعم النواب الجمهوريين في انتخابات نوفمبر، من خلال تكثيف نشاطه في التجمعات العامة في الولايات التنافسية التي يحتاج فيها الجمهوريون إلى دعم أكبر لتعزيز حظوظهم.
في مقابل ذلك، يقول جمهوريون من داخل كتلة الحزب، إن هذا الخيار ليس بالضرورة هو الأفضل، لأن الحزب مطالب بإيجاد الخطاب الذي يجعل من شعور الأمريكيين بأن وضعهم الاقتصادي أفضل، أو سيكون أفضل مما كانوا عليه خلال رئاسة جو بايدن.
وحول هذه الاستراتيجية، يقول قيادي جمهوري من خارج الكونغرس، إن الخطر فيها يكمن في انقلاب الوضع عما كان عليه في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، عندما كان الديمقراطيين يقولون لعامة الأمريكيين إن أرقام الاقتصاد جيدة، لكن حياتهم لم تكن كذلك في الممارسة اليومية.
وأعرب عن مخاوفه من أن يكون الجمهوريون في انتخابات التجديد النصفي يعيدون إنتاج خطاب الجمهوريين بقولهم إن الاقتصاد جيد، لكن النتائج لن تظهر سريعًا، فكما دفع الديمقراطيون نتائج سوء أدائهم الاقتصادي في نوفمبر الماضي، قد يجد الجمهوريون أنفسهم في مواجهة نفس المصير في حال لم يجدوا الحلول المناسبة لوضع القدرة الشرائية للأمريكيين في الوقت الحاضر .