ترامب يعلن أنه سيوجّه "خطابا إلى الأمة" الأربعاء
بعد عقدين من العداء والحذر، تعود الهند لتفتح قنواتها مع طالبان في لحظة إقليمية شديدة التعقيد؛ حيث تمثل زيارة وزير خارجية طالبان أمير خان متقي إلى نيودلهي أول تواصل دبلوماسي بهذا المستوى منذ انسحاب القوات الأمريكية من كابول عام 2021، وتأتي في وقت تتصاعد فيه الاشتباكات الحدودية بين أفغانستان وباكستان.
هذه الزيارة ليست مجرد حدث بروتوكولي، بل إشارة واضحة على أن نيودلهي تسعى لإعادة رسم خريطتها الدبلوماسية في آسيا الوسطى من منطلق براغماتي؛ فبالنسبة للهند، لا يبدو سيئًا أن ترى خصمها اللدود، باكستان، غارقة في مواجهة عسكرية مع بلد بدأ ينسج علاقات ودية مع نيودلهي، وفق ما ذكرت صحيفة "التايمز".
في يوم الزيارة، كانت السفارة الأفغانية في العاصمة الهندية مسرحًا لاحتجاجات رمزية حين حاول أحد الموظفين منع رفع علم طالبان؛ لكن خلف هذه المشاهد المتوترة، كانت الرسائل السياسية أكثر وضوحًا: طالبان تبحث عن شرعية دولية، والهند تريد نفوذًا يعوّض خسائرها بعد سقوط كابول.
المفارقة أن ما يقرب بين طالبان ونيودلهي اليوم هو نفس العامل الذي كان يفرقهما في الماضي: باكستان؛ فالتوتر المتصاعد بين كابول وإسلام آباد، بعد مقتل عشرات الجنود على الجانبين خلال معارك حدودية، أعاد ترتيب أولويات طالبان وأجبرها على النظر إلى الهند كشريك محتمل لا كخصم أيديولوجي.
وتتهم طالبان باكستان بانتهاك مجالها الجوي وقصف أسواقها الشرقية، بينما تتهمها إسلام آباد بإيواء حركة طالبان الباكستانية التي تنفذ هجمات ضد الجيش الباكستاني.
ووسط هذا التصعيد، تجد نيودلهي فرصة لتوسيع نفوذها من خلال دعم "أفغانستان المستقلة عن الهيمنة الباكستانية".
وتدرك الهند التي استثمرت أكثر من ثلاثة مليارات دولار في مشاريع تنمية أفغانية قبل عام 2021، بينها مبنى البرلمان في كابول، أن عزل طالبان ليس خيارًا واقعيًّا.
ويقول بهشيام كاستوري، المدير السابق لأمانة مجلس الأمن القومي الهندي للصحيفة: "الهند تعلم أن طالبان باقية، لذا فالتعامل البراغماتي أفضل من سياسة الإنكار".
لكن هذه البراغماتية محفوفة بالمخاطر؛ فالهند لا تزال تتذكر ماضي طالبان الأسود، من حادثة اختطاف الطائرة الهندية عام 1999 إلى الهجمات التي طالت بعثاتها الدبلوماسية؛ لذلك تتبع نيودلهي سياسة "الانخراط الحذر"، انفتاح محسوب لا يبلغ حد الاعتراف الرسمي، لكنه يضمن وجودًا سياسيًّا فعّالًا على الأرض.
تظهر السياسة الهندية الجديدة تجاه طالبان مزيجًا من الحذر والحساب؛ فالهند لا تسعى لتبييض سجل الحركة، بل لتأمين مصالحها في بيئة جيوسياسية معقدة تتجه فيها كفة النفوذ نحو الصين وروسيا.
وكما قال السفير الهندي السابق لدى كابول راكيش سود: "علينا أن نسترشد بالبراغماتية لا بالأيديولوجيا-الجغرافيا تُملي علينا التزاماتنا".
وتتحرك الهند اليوم بدافع الضرورة لا القناعة، وتدرك أن استقرار أفغانستان شرط أساسي لأمنها الداخلي ولسياستها الإقليمية؛ حيث إنها سياسة براغماتية في أقصى صورها: تحالف الضرورة مع طالبان من أجل كبح باكستان، ومنافسة الصين، والحفاظ على موطئ قدم في قلب آسيا حيث تتقاطع طرق المصالح الكبرى.