logo
العالم

تاكايتشي تقود اليمين الياباني.. صعودٌ يربك حسابات سيول في منتدى "أبيك"

ساناي تاكايتشيالمصدر: أ ف ب

بينما كانت كوريا الجنوبية تستعد لاقتناص لحظة قيادية طال انتظارها في منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ (APEC)، جاءت المفاجأة من طوكيو؛ إذ شكّل صعود ساناي تاكايتشي إلى رئاسة الوزراء اليابانية أكثر من مجرد تغيير في هرم السلطة داخل الحزب الحاكم؛ فهو يعكس تحوّلًا أعمق نحو نزعة يمينية أكثر تشددًا في السياسة اليابانية.

وذكرت صحيفة "آسيا تايمز" أن هذا التحول لا يهدد فقط مسار التقارب الحذر بين سيول وطوكيو، بل يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من الاستقطاب السياسي في شرق آسيا، قد تُعيد رسم موازين القوى في المنطقة وتلقي بظلالها على مستقبل التعاون الإقليمي والعلاقات بين الحليفين الآسيويين للولايات المتحدة.

وفي الوقت الذي تنشغل فيه العواصم الكبرى بمحادثات محتملة بين ترامب وشي جين بينغ، أو اتفاق سلام جديد حول أوكرانيا، تبدو التحولات في طوكيو أكثر قدرة على إعادة تشكيل المزاج السياسي في آسيا، وربما تعطيل المسار الدبلوماسي الذي حاولت كوريا الجنوبية بناءه بشقّ الأنفس خلال الأعوام الماضية.

السياسة اليابانية في مفترق حاسم

لم تشهد اليابان اضطرابًا سياسيًا مماثلًا منذ تسعينيات القرن الماضي. فبعد استقالة رئيس الوزراء شيغيرو إيشيبا، وجد الحزب الليبرالي الديمقراطي نفسه أمام لحظة تاريخية عندما اختار، بشكلٍ مفاجئ، المحافظة المتشددة ساناي تاكايتشي زعيمةً له ورئيسةً للوزراء.

أخبار ذات علاقة

غواصة يابانية من طراز "تايغي"

طوكيو تخلع عباءة الحياد.. "الغواصات النووية" تعلن عودة الساموراي

تحمل تاكايتشي، المعروفة بولائها للراحل شينزو آبي، مشروعًا سياسيًا مشحونًا بالنزعة القومية، وتاريخًا مثيرًا للجدل في ما يتعلق بالحرب العالمية الثانية والاستعمار الياباني. 

تُجسّد زياراتها المتكررة لضريح ياسوكوني، الذي يُكرّم قتلى الحرب من بينهم مجرمو حرب، رؤيتها الرافضة للانحناء أمام "عبء الماضي"؛ فهذه الرمزية وحدها كافية لإثارة قلقٍ واسع في سيول، حيث لا تزال ذاكرة الاحتلال الياباني جرحًا مفتوحًا في الوعي الكوري.

لكن وصول تاكايتشي إلى السلطة لم يكن طريقًا مفروشًا بالورود؛ فقد أدى موقفها المتشدد إلى تفكك التحالف التقليدي بين الحزب الليبرالي الديمقراطي وحزب كوميتو الوسطي، الذي قرر إنهاء شراكة استمرت 25 عامًا احتجاجًا على "انحياز تاكايتشي للفكر القومي المتطرف". 

وأشارت الصحيفة إلى أن هذا الانقسام أجبرها على تشكيل ائتلاف هشّ مع حزب "نيبون إيشين نو كاي" اليميني، في محاولة لتأمين أغلبية برلمانية بالكاد تُمكّنها من الحكم.

أخبار ذات علاقة

صاروخ كوري شمالي قادر على ضرب المدن الأمريكية

التهديد النووي يتوسع.. صاروخ بيونغ يانغ الباليستي يقلق أمريكا وسول وطوكيو

في الوقت ذاته، تجري مفاوضات غير معلنة مع حزب "سانسيتو" القومي المتطرف، الذي يروج لرؤية تُعيد تبرير أفعال اليابان خلال الحرب، ما يزيد من المخاوف من أن تتحول الحكومة الجديدة إلى تشكيل وطني محافظ يضع القومية في صدارة السياسة الداخلية والخارجية.

العلاقات الكورية اليابانية على المحك

في سيول، لم يُخفِ المراقبون قلقهم؛ فقد وصف سفير كوري جنوبي سابق لدى اليابان فوز تاكايتشي بأنه “كارثة على العلاقات الثنائية”، محذرًا من أن أي تراجع في التعامل مع القضايا التاريخية قد يُعيد التوتر بين البلدين إلى المربع الأول.

ولفتت الصحيفة إلى أن التقارب الذي شجّعه كلٌّ من لي جاي ميونغ وإيشيبا خلال العامين الماضيين اعتمد على خطاب الاعتراف بالماضي وتخفيف النزاعات الرمزية، وهو بالضبط ما ترفضه تاكايتشي.

وعلى الرغم من أن بعض الدوائر في طوكيو تأمل في أن تتبنى تاكايتشي نهجًا براغماتيًا شبيهًا بآبي، فإن تصريحاتها السابقة تشير إلى العكس. فهي ترى أن “اليابان لم تخطئ في الحرب، بل في خسارتها”، وأن استمرار الاعتذار "يُضعف الأمة". 

ويُعيد هذا الخطاب القومي، المقترن بدعواتها لزيادة الإنفاق الدفاعي وإعادة النظر في القيود الدستورية المفروضة على الجيش الياباني، اليابان إلى مناخٍ سياسيٍّ يُذكّر بما قبل “الانكفاء السلمي” الذي طبع حقبة ما بعد الحرب.

أخبار ذات علاقة

مناورات "حافة الحرية"

سيول وطوكيو وواشنطن.. تعاون ثلاثي عسكري لمواجهة تهديدات كوريا الشمالية والصين

ومع وجود حزب "إيشين نو كاي" إلى جانبها، يبدو أن الحكومة الجديدة ستسعى إلى إعادة تعريف الهوية الوطنية اليابانية على أساس الاعتزاز العسكري والتاريخي، وهو ما قد يخلق فجوة جديدة مع كوريا الجنوبية التي تراهن على الشراكة الأمنية مع واشنطن وطوكيو لمواجهة بيونغ يانغ وبكين.

إرث إيشيبا وتحذيراته من "القومية المتهورة"

على النقيض من ذلك، كان رئيس الوزراء المستقيل شيغيرو إيشيبا من أبرز الأصوات المعتدلة التي نادت بالتصالح مع التاريخ وبناء ديمقراطية يابانية منفتحة؛ ففي خطابه الوداعي بمناسبة الذكرى الثمانين لنهاية الحرب، حذّر إيشيبا من “الانزلاق نحو تطرف قومي يهدد بنسف التوازن بين الحرية والمسؤولية”.

وأشار إلى أن التجربة المأساوية لليابان في ثلاثينيات القرن الماضي نتجت عن "فشل المدنيين في كبح جماح الجيش، وتآكل الديمقراطية، وتحريض الإعلام للرأي العام نحو الحرب".

وأضاف أن "الديمقراطية القوية ليست في ترديد الشعارات، بل في الشجاعة لمواجهة الماضي بصدق".

تحذيرات إيشيبا لم تكن موجهة فقط إلى الداخل الياباني، بل إلى بيئةٍ دوليةٍ تتزايد فيها النزعات القومية والشعبوية في آسيا والعالم؛ فالمزاج السياسي في اليابان، كما في أوروبا والولايات المتحدة، يشهد عودة اليمين المتشدد الذي يوظّف المخاوف الأمنية والهوية الوطنية لتعزيز نفوذه الانتخابي، حتى على حساب العلاقات الدولية.

أخبار ذات علاقة

طائرة مُسيّرة من طراز "هيرون 2"

سباق الطائرات المسيّرة.. طوكيو تختار بين تركيا وإسرائيل

وفي هذا السياق، يُخشى أن يؤدي صعود تاكايتشي إلى تجميد التقارب الكوري الياباني الذي بدأ يتشكل بعد سنوات من الفتور، خصوصًا إذا ما أقدمت على زيارة ضريح ياسوكوني أثناء توليها المنصب — خطوة ستُفسَّر في سيول وبكين على أنها تحدٍ مباشر لروح المصالحة.

لحظة اختبار مزدوجة في طوكيو وسيول

مع اقتراب انعقاد منتدى APEC، يواجه كلٌّ من الرئيس الكوري لي جاي ميونغ ورئيسة الوزراء اليابانية المرتقبة ساناي تاكايتشي اختبارًا مزدوجًا يتجاوز حدود الدبلوماسية التقليدية؛ فمن جهة، عليهما إثبات قدرتهما على ممارسة قيادة رشيدة ومسؤولة وسط مشهد إقليمي متقلب يزداد توترًا بفعل التنافس الصيني–الأمريكي. 

ومن جهة أخرى، يواجهان عبء الذاكرة التاريخية التي ما زالت تلقي بظلالها على العلاقات الكورية–اليابانية، وتجعل من المصالحة بين البلدين معركة مع الماضي بقدر ما هي رهان على مستقبل شرق آسيا.

ففي حين تسعى سيول إلى ترسيخ دورها كقوة ديمقراطية تقدمية في آسيا، تُقدِم طوكيو على تجربة سياسية قد تُعيدها إلى ماضيها القومي. 

وبينما يتطلع العالم إلى قمة ترامب وشي، ربما تكون القصة الأهم هذا العام هي كيف ستتعامل اليابان مع ماضيها، وكيف ستتعامل كوريا الجنوبية مع جارتها الجديدة المتشددة.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC