رغم الوعود الكبيرة التي رافقت اتفاق السلام الموقّع في واشنطن بين رئيسي الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسكيدي ورواندا بول كاغامي، فإن الواقع على الأرض يشي بغير ذلك.
ففي جنوب كيفو، يتسارع تقدم متمردي حركة إم23 نحو مدينة أوفيرّا، وتهتز معه آمال استقرارٍ طال انتظاره في المنطقة.
تبدو المدينة الحدودية وكأنها غنيمة استراتيجية في معركة تتجاوز حدود جمهورية الكونغو الديمقراطية، وتهدد بفتح فصل جديد من الصراع بين رواندا وبوروندي، البلدين اللذين لطالما ظلا في حالة ترقّب متبادل، مثقلين بذاكرة نزاعات لم تندمل جراحها بعد.
جغرافيا تُشعل الحرب
الاشتباكات التي احتدمت في سهل روزيزي قرب بوروندي دفعت القوات الحكومية إلى التراجع، تاركة آلاف المدنيين أمام خيار الفرار أو الموت.
جعلت السيطرة الأخيرة للمتمردين على لوفونغي، العقدة الاستراتيجية المؤدية مباشرة إلى أوفيرا، المدينة في كماشة عسكرية تُضيّق الخناق على سكانها يوماً بعد يوم.
ورغم تضارب الروايات بشأن دخول المتمردين إلى المدينة مساء الثلاثاء، إلا أن المؤكد هو انسحاب القوات الحكومية وبدء موجات نزوح واسعة؛ فالعائلات تملأ الطرق هربا، والمدارس تحوّلت إلى ملاجئ، فيما يتزايد النقص في الغذاء والرعاية الطبية.
بوروندي طرف في القتال
لا تخفي بوروندي قلقها؛ ففوز حركة متمردة مدعومة من رواندا بموقع قريب من بوجومبورا، عاصمتها الاقتصادية، يُشعرها بالخطر الشديد؛ لذلك، زجّت بآلاف الجنود في الجبهة للدفاع عن بوابة أمنها القومي.
لكنّ الوجود البوروندي نفسه في الكونغو ليس محل إجماع؛ حيث تتهمه كيغالي بـ"تعطيل عملية السلام"، والكونغو تُراهن عليه، والمتمردون يريدون دفعه للخروج.
تلك التداخلات تضع شرارة الحرب على أهبة الاشتعال في أي لحظة، ليس على حدود دولة واحدة فحسب، بل عند مفترق ثلاث دول مرتبطة بتوازن هش، في الكونغو الديمقراطية، ورواندا، وبوروندي.
كما أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عند توقيع الاتفاق أنه سيحقق "نتائج فورية"، لكن الواقع كان توسع نطاق المعارك، وتصاعد الاتهامات المتبادلة، واختفاء الثقة الدبلوماسية، ليبرز مرة أخرى أن مثل هذه الاتفاقات لا تنقذ المدنيين عندما تعود المدافع إلى الاشتباك.
مستقبل شرق الكونغو الديمقراطية أصبح رهينا لقرارات تُتخذ في عواصم الجوار أكثر من كينشاسا، فيما يطرح السكان وراء خطوط النار أسئلة ملحّة؛ من سيحمي أوفيرا غدا؟، ومن سيمنع سقوط الإقليم كله في حرب جديدة مجهولة النهاية؟ الوقت ينفد، وكل تأخير في وقف النار يعني أطفالا بلا مأوى ومدنا تُترك للحرب؛ ما يستدعي تحرك المجتمع الدولي قبل أن يتحوّل شرق الكونغو إلى مسرح صراع إقليمي شامل لا يمكن السيطرة على نتائجه.