يواجه المستشار الألماني القادم، فريدريش ميرتس، تحديات اقتصادية وسياسية غير مسبوقة مع بداية ولايته، وسط ضغوط هائلة لخفض الإنفاق العام، ومعالجة أزمة المعاشات، وتعزيز القدرات الدفاعية لبلاده.
وبحسب تقرير لصحيفة تلغراف البريطانية، كان الاقتصاد الألماني، الذي يعد الأقوى في الاتحاد الأوروبي، محط أنظار الدول الأوروبية لعقود، إلا أن الأوضاع قد تغيرت جذريًا. فقد شهد الاقتصاد انكماشًا للعام الثاني على التوالي في عام 2024، وسط تضخم قياسي وارتفاع في أسعار الطاقة، نتيجة لانقطاع الغاز الروسي الرخيص عن الصناعة الألمانية بعد غزو روسيا لأوكرانيا.
كما شهدت الصادرات الألمانية انخفاضًا ملحوظًا، خاصة مع تراجع الطلب الصيني، بينما تهدد الرسوم الجمركية الأمريكية، التي قد يفرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بمزيد من الضغوط على الاقتصاد.
ومع تقدم السكان في السن وتقاعد أعداد كبيرة من مواليد الخمسينيات والستينيات، تراجعت القوى العاملة، مما خلق أزمة معاشات تلوح في الأفق.
يعد نظام الرواتب التقاعدية أحد أكبر التحديات التي تواجه ميرتس، حيث يمثل ثلث الإنفاق الحكومي، أي ما يقارب 105 مليارات دولار سنويًا.
ورغم الحاجة الملحة للإصلاح، فإن أي محاولة لتغيير النظام المرتبط بتضخم الأجور ستواجه بمعارضة شديدة من الناخبين الأكبر سنًا، الذين يتمتعون بنفوذ سياسي واسع.
إلى جانب التحديات الاقتصادية، تواجه ألمانيا ضغوطًا متزايدة لزيادة إنفاقها الدفاعي. فقد رفض ميرتس الالتزام بما يتجاوز الحد الأدنى لمتطلبات حلف شمال الأطلسي (الناتو)، التي حددها المستشار المنتهية ولايته أولاف شولس عند 2% من الناتج المحلي الإجمالي.
ومع ذلك، فإن الضغط الأمريكي بقيادة ترامب يجعل من الصعب على ألمانيا التهرب من تخصيص موارد أكبر للدفاع، خاصة في ظل التهديدات الروسية المتصاعدة.
لطالما ربط الألمان بين الديون المرتفعة وعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي، وهو ما جعلهم يخشون من أن تصبح بلادهم مثل فرنسا، المنافس الوحيد لها كأكبر قوة اقتصادية في الاتحاد الأوروبي.
ففرنسا تعاني من دين عام مرتفع يتجاوز 2.7 تريليون دولار، أي ما يعادل 113.7% من ناتجها المحلي الإجمالي، كما أنها تنتهك القواعد الأوروبية الخاصة بالميزانيات الوطنية.
وعلى الرغم من التحديات الاقتصادية، تجد باريس نفسها مطالبة بزيادة الإنفاق الدفاعي، خاصة إذا انسحب ترامب من التزامات بلاده الأمنية تجاه أوروبا.
وقد تعرضت محاولات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لإصلاح نظام المعاشات التقاعدية إلى انتقادات حادة وأعمال شغب واسعة، مما أضعف موقفه السياسي.
ورغم أن المفوضية الأوروبية لا تزال تعتبر ألمانيا ضمن الحدود المقبولة للعجز والإنفاق، فإن فرنسا خرجت عن هذه المعايير.
وسط هذه التحديات، قد يجد ميرتس نفسه مضطرًا إلى اتخاذ قرارات غير شعبية، مثل كسر القواعد المالية الصارمة للاتحاد الأوروبي، وهو أمر قد يعرض برلين لغرامات من بروكسل، لكنه قد يكون الحل الوحيد للحفاظ على استقرار الاقتصاد الألماني.
وإذا ما لجأت ألمانيا إلى تخفيف قواعد الديون التي طالما دافعت عنها، فقد يكون ذلك مدعاة للترحيب والشماتة في دول جنوب أوروبا، التي لطالما تعرضت لانتقادات من برلين بسبب مديونياتها المرتفعة.