شهدت الحرب في أوكرانيا حدثًا غير مسبوق، إذ نفذت روسيا أول هجوم لها باستخدام طائرة بحرية مسيّرة على إحدى أكبر السفن الحربية الأوكرانية، مما وصفته وسائل إعلام روسية بأنه انتكاسة كبيرة للبحرية الأوكرانية ذات الأسطول الصغير.
أكد دميترو بلينتشوك، المتحدث باسم البحرية الأوكرانية، لموقع "أوكرينفورم" وقوع الهجوم على السفينة يوم 28 أغسطس/آب، مشيرًا إلى نجاة معظم أفراد الطاقم، بينما قُتل أحدهم وأصيب آخرون، وما زال البحث جاريًا عن بعض البحارة المفقودين.
وأفاد بيان صادر عن وزارة الدفاع الروسية أن الهجوم استُهدف فيه سفينة الاستطلاع المتوسطة "سيمفيروبول" عند مصب نهر الدانوب، وأن السفينة غرقت نتيجة العملية، باستخدام مركبة سطحية غير مأهولة عالية السرعة.
وعلى الرغم من ذلك، لم يُصرّح الجانب الأوكراني بغرق السفينة، بيد أن الهجوم وُثِّق بكاميرات، بما في ذلك لقطات طائرة مسيّرة تظهر القارب المُسيّر يقترب من الهدف.
أُطلقت سيمفيروبول في العام 2021، وهي سفينة استطلاع متوسطة الحجم ضمن مشروع لاجونا، مصممة لأغراض الاستخبارات اللاسلكية والرادارية والبصرية الإلكترونية، بقدرة اكتشاف تصل إلى 450 كيلومترًا وتتبع 200 هدف في وقت واحد.
وتبلغ إزاحتها 1220 طنًا، وسرعتها 11.6 عقدة، ومدى عملياتها 7200 ميل. ومنذ دخولها الخدمة، كانت تدعم عمليات البحرية الأوكرانية في المراقبة الاستخباراتية.
كما يمثل فقدان سفينة كبيرة مثل سيمفيروبول ضربة كبيرة للبحرية الأوكرانية، التي فقدت معظم أسطولها والبنية التحتية البحرية الرئيسية خلال ضم روسيا لشبه جزيرة القرم العام 2014.
وكانت الفرقاطة "هيتمان ساهايداتشني" تُعد السفينة الرئيسية حتى إغراقها العام 2022 لتجنب الاستيلاء عليها.
يُعد الهجوم بمثابة رمز للرد الروسي على خسارة سفينة موسكفا في البحر الأسود العام 2022، إذ سبق أن استخدمت أوكرانيا الطائرات البحرية المسيرة لتوجيه ضربات قاسية للأسطول الروسي.
وفي المقابل، تُظهر هذه العملية أن روسيا بدأت تحاكي التكتيك الأوكراني، مستفيدة من تقنيات القوارب المسيرة لمواجهة التفوق الأوكراني.
دخلت أوكرانيا الطائرات البحرية المسيرة USVs في بداية الصراع لمواجهة هيمنة أسطول البحر الأسود الروسي.
ومن أشهر هذه الطائرات "ماغورا V5" و"سي بيبي"، وتطورت هذه القوارب من منصات بسيطة محملة بالمتفجرات إلى أنظمة بعيدة المدى ومتعددة الأدوار، تكلّف حوالي 250 ألف دولار فقط، مقارنة بالسفن المأهولة التقليدية.
وحققت هذه الطائرات إنجازات مهمة، منها إسقاط مروحية Mi-8 روسية بوساطة ماغورا V5 في ديسمبر 2024، وضرب أنظمة الدفاع الجوي الروسية وصواريخ أرض-جو باستخدام نظام FPV في مارس 2025، وصولًا إلى إسقاط مقاتلة Su-30SM روسية بوساطة ماغورا V7 في مايو 2025 على بعد 50 كيلومترًا من الساحل.
ورغم أن روسيا بدأت مؤخرًا باستخدام السفن السطحية غير المأهولة، فإن نطاق وتأثير هجماتها لا يزال أقل بكثير مقارنة بالهجمات الأوكرانية المبتكرة والفعّالة.
كما يشير الهجوم على سيمفيروبول إلى أن روسيا بدأت تلحق بالركب، مستفيدة من تجربة أوكرانيا في استخدام الطائرات البحرية المسيرة كسلاح غير متكافئ في الحرب البحرية الحديثة.
ويسلّط الهجوم على سيمفيروبول الضوء على التحولات النوعية في الحروب البحرية، إذ أصبحت الطائرات البحرية المسيرة أدوات حاسمة لإعادة تشكيل معادلات القوة، وتؤكد على أن الأساطيل التقليدية لم تعد الضامن الوحيد للسيادة البحرية، بل التكامل بين منصات مأهولة وغير مأهولة سيحدد مستقبل النزاعات البحرية.