logo
العالم

بعد وقف الدعم العسكري عن دول البلطيق.. هل تُترك أوروبا فريسة لموسكو؟

جنود أمريكيون أثناء مهمة نقل أسلحةالمصدر: (أ ف ب)

تشهد العلاقات الأطلسية واحدة من أكثر لحظاتها توتراً، مع إعلان الإدارة الأمريكية تقليص المساعدات العسكرية لدول البلطيق، في خطوة بدت للكثيرين بمثابة إعادة صياغة لدور واشنطن في أمن أوروبا الشرقية.

ولم يأتِ القرار الأمريكي بشكل مفاجئ، بل يُعد امتدادًا لفلسفة الرئيس دونالد ترامب القائمة على شعار "أمريكا أولاً"، والتي ترى أن على الحلفاء دفع ثمن أمنهم بدلاً من أن تتحمل الولايات المتحدة التكلفة نيابة عنهم.

ويرى المراقبون أن هذه الخطوة تكشف عن تحوّل في الدعم العسكري من صيغة المساعدة المجانية إلى نموذج "الدفع مقابل الخدمة"، ما يضع الدول الأوروبية في مواجهة مباشرة مع التحديات الأمنية المحيطة بها.

وبحسب تقارير غربية، فقد أبلغت وزارة الدفاع الأمريكية عواصم أوروبية عدة أن برنامج "القسم 333" الخاص بتدريب وتجهيز الجيوش سيُخفض إلى الصفر اعتباراً من السنة المالية المقبلة.

ويستهدف هذا الإجراء بشكل مباشر كلاً من ليتوانيا ولاتفيا وإستونيا، وهي دول لطالما اعتُبرت خط الدفاع الأول للناتو في مواجهة روسيا، وقد تلقت مجتمعة أكثر من 1.6 مليار دولار بين عامي 2018 و2022 لتعزيز قدراتها الدفاعية.

واللافت أن بعض هذه المساعدات قد تضاعف في السنوات الأخيرة، كما حدث مع إستونيا التي ارتفع دعمها من 122 مليون دولار قبل الحرب إلى أكثر من 430 مليوناً بعدها، الأمر الذي يعكس حجم الفجوة التي سيتركها القرار الأمريكي.

وقد أثارت هذه التطورات قلقاً واسعاً في عواصم البلطيق، حيث لم تتردد وزيرة الدفاع الليتوانية دوفيل شاكالين في مطالبة البرلمان بالتحرك لإقناع المشرعين الأمريكيين بعدم تمرير الخفض، في إشارة إلى إدراك قادة المنطقة لخطورة الموقف.

وفي الوقت نفسه، تحاول حكومات البلطيق التكيّف عبر إعلان خطط لزيادة الإنفاق الدفاعي إلى مستويات تاريخية قد تتجاوز 5% من الناتج المحلي الإجمالي العام المقبل، وهو ما يمثل ثلاثة أضعاف ما كانت تخصصه قبل الحرب الروسية لأوكرانيا.

ومع هذه الخطوة، يبقى السؤال الأهم: هل سيكون رفع الميزانيات وحده كافياً لتعويض غياب المظلة الأمريكية؟ خاصة وأن هذا التحوّل يضع القارة أمام واقع جديد؛ فمن جهة، تواجه تهديدًا روسيًا متصاعدًا، ومن جهة أخرى، تخسر الحليف الأكثر وزناً في الضمانات العسكرية.

ويرى أندريه أونتيكوف، المحلل السياسي، أن القرار الأمريكي بتقليص الدعم لدول البلطيق لا يُنظر إليه في موسكو كـ"فرصة للهجوم"، بقدر ما يُقرأ كإقرار ضمني بأن واشنطن لم تعد راغبة في تحمّل أعباء أمن أوروبا الشرقية.

وأشار في تصريحات لـ"إرم نيوز" إلى أن هذه الخطوة، بالنسبة لروسيا، تكشف أن الخطاب الغربي حول الوحدة الأطلسية ليس أكثر من مظلة سياسية سرعان ما تتصدع حين تتحول إلى التزامات مالية وعسكرية، وخاصة أن انسحاب واشنطن التدريجي من القارة سيؤدي تلقائياً إلى تفاقم الخلافات بين الأوروبيين أنفسهم.

وأضاف أونتيكوف أن موسكو تعتبر أن رفع دول البلطيق لإنفاقها العسكري إلى مستويات غير مسبوقة لن يُغيّر في موازين القوى على الأرض، لأن هذه الدول تظل مساحات صغيرة تعتمد بالكامل على المظلة الخارجية.

وأوضح المحلل الروسي أن هذه الخطوة تفتح الباب أمام أوروبا للتفكير جدياً في تأسيس منظومة دفاعية خاصة بها، وهو ما يُعتبر تطورًا طبيعيًا وإن كان متأخرًا، لأن الاعتماد المفرط على الولايات المتحدة كان – من وجهة نظر الكرملين – أبرز مظاهر قصور السيادة الأوروبية.

وقال إن روسيا لن تندفع إلى مواجهة مباشرة، لكن الفراغ الأمريكي سيُعيد صياغة المشهد الأمني لمصلحة موسكو، فكلما تراجعت ثقة الأوروبيين بالناتو، اقتربت لحظة الاعتراف بأن الحل لا يمر عبر سباق التسلح، بل عبر صياغة ترتيبات أمنية جديدة تأخذ المصالح الروسية في الاعتبار.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC