شهد ملف مجزرة تياروي، إحدى أفظع الجرائم المرتكبة خلال حقبة الاستعمار الفرنسي في أفريقيا، تطورًا لافتًا بعد اكتشاف بقايا بشرية تحمل آثار رصاص داخل مقبرة الجنود الأفارقة في ضاحية تياروي قرب العاصمة السنغالية داكار.
ووفق صحيفة "لوموند" الفرنسية، فإن أعمال تنقيب أثرية بدأت، مطلع مايو/أيار الماضي، في المقبرة العسكرية، أسفرت عن العثور على هياكل عظمية تضم طلقات نارية مغروسة في منطقة الصدر لدى بعض الضحايا.
وتُظهر المعاينات الأولية وجود ذخيرة من أعيرة مختلفة، ما دفع الجهات المعنية إلى إجراء خبرات باليستية لتحديد نوعية الأسلحة المستخدمة، إضافة إلى فحوصات الحمض النووي لمحاولة تحديد هوية الضحايا.
وتعود المجزرة إلى الأول من ديسمبر/كانون الأول العام 1944، حين أقدمت القوات الفرنسية على إطلاق النار على جنود أفارقة ، يُعرفون بـ"التيرايور السنغاليين"، كانوا قد عادوا من جبهات القتال في أوروبا عقب الحرب العالمية الثانية، مطالبين بصرف مستحقاتهم المالية.
وأسفر الهجوم عن مقتل العشرات، وربما المئات، من هؤلاء الجنود الذين قاتلوا في صفوف الجيش الفرنسي.
وبينما اعترفت السلطات الفرنسية، آنذاك، بمقتل 35 شخصًا فقط، تؤكد روايات تاريخية وأبحاث مستقلة أن عدد الضحايا قد يصل إلى 400، في ظل غياب وثائق رسمية كاملة.
بدورهم، يتهم باحثون ومؤرخون فرنسا بإخفاء ملفات أرشيفية حساسة تتعلق بالقضية.
ومن جهتها، أعلنت حكومة السنغال، رسميًا، في فبراير/شباط الماضي، بدء عمليات التنقيب، ضمن ما وصفته بـ"إظهار الحقيقة كاملة".
كما شُكّلَت لجنة بحث تضم عددًا من الخبراء المحليين لتقديم تقرير شامل حول الواقعة، إلا أن تسليم التقرير تم تأجيله دون توضيح الأسباب.
وكانت فرنسا قد اعترفت بالمجزرة، رسميًا، في نوفمبر/تشرين الثاني العام 2024، قبيل الذكرى الثمانين للحدث، فيما أحيت السنغال المناسبة باحتفالات واسعة، مؤكدة أنها لحظة محورية في مسار استعادة الذاكرة الوطنية، وإنصاف الجنود الأفارقة الذين طواهم النسيان لعقود.
يُذكر أن "التيرايور السنغاليين" شكّلوا وحدات عسكرية أنشأتها فرنسا منذ العام 1857، وجنّدت فيها رجالًا من مختلف أنحاء أفريقيا الغربية والوسطى للدفاع عن الإمبراطورية الاستعمارية.
وأُرسل نحو 200 ألف منهم إلى الجبهات الأوروبية خلال الحرب العالمية الأولى، حيث قُتل ما يقارب 30 ألف جندي في معارك حاسمة مثل فردان و"طريق السيدات"، ورغم تضحياتهم الكبيرة، ظلّت فرنسا تؤخر الاعتراف ببطولاتهم، وتفاوتت مستحقاتهم المالية مقارنة بنظرائهم الفرنسيين، في ما يُعد أحد أبرز أوجه الغبن التاريخي الذي لا تزال آثاره حاضرة حتى اليوم.