استعاد النظام الإيراني، بزعامة المرشد علي خامنئي، الماضي الفارسي، ورموزًا وأحداثًا تاريخية وثقافية كانت مغيّبة لعقود في البلاد، للاستفادة من الإرث القومي لضمان البقاء بعد التصعيد الإسرائيلي الأمريكي الأخير، وفق تقرير لوكالة "بلومبرغ".
ورأت "بلومبرغ" أن الهجمات الإسرائيلية التي استمرت 12 يومًا في يونيو/ حزيران الماضي، أحرجت القيادة الإيرانية التي فوجئت، بها وكان من تداعياتها "التدقيق في رجل الدين البالغ من العمر 86 عامًا، وهو السلطة العليا في إيران"، مثيرة تساؤلات حول المدة التي يمكنه فيها البقاء في السلطة.
وقال فؤاد إيزادي، الأستاذ المشارك في كلية الدراسات العالمية بجامعة طهران، والذي عارض الجهود السابقة للتعامل مع الولايات المتحدة، إنّ خامنئي "مسؤول عن ضمان استمرار إيران في العيش"، مضيفًا أن المرشد لطالما صرّح بأنه سينظر في جميع أنواع الإجراءات لضمان حدوث ذلك، وهذا ما سيفعله.
ومع ذلك، نادرًا ما بدا خامنئي ضعيفًا، لكن في الأيام الأخيرة، ظهرت بوادر مبدئية على أنه قد يستسلم لعقود من الضغوط لاستيعاب سكان يزدادون علمانية ويشعرون بالعزلة بسبب نهجه المتشدد في الحكم. ويشمل هذا العزل سنوات من تهميش الرموز والأحداث الثقافية والتاريخية التي مارسها الإيرانيون لمئات السنين، وتقليل قيمتها، لصالح رموز وأحداث المذهب الشيعي، وفق التقرير.
والآن، مع تعرض حلفائها الإقليميين للقصف من جانب إسرائيل، يحاول كبار رجال الدين في إيران والحرس الثوري الذراع الأقوى في الجيش، حشد المشاعر القومية حول الرموز ذاتها التي قضى النظام سنوات في محاولة محوها.
وأظهرت لوحة إعلانية نُصبت في طهران الأسبوع الماضي صورة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، راكعًا أمام نقش بارز قديم لملك فارسي. كما تُظهر الصورة إيران، وليس النظام الإسلامي، منتصرة على إسرائيل.
ويوم السبت، ظهر خامنئي علنًا للمرة الأولى منذ الهجمات العسكرية، في فعالية مُصممة بدقة، ظهر وهو يُلوّح بثقة لحشد من المؤيدين، قبل أن يطلب دمج نشيد وطني شهير مع أناشيد الحداد الشيعية التقليدية.
وانتشر فيديو التلاوة على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث انتقده الكثيرون باعتباره حيلة ساخرة. ومع ذلك، كان الأمر لافتًا لتناقضه، نظرًا لكثرة استخفاف رجال الدين المتشددين في إيران بمظاهر القومية الإيرانية لصالح التوجه الإسلامي.
وأصبحت الحاجة إلى الوحدة الوطنية، وهو أمر يتحدث عنه الإصلاحيون باستمرار لكنهم لا يحققونه، أكثر إلحاحًا بالنسبة لرجال الدين، وقال سعيد ليلاز، الخبير الاقتصادي والمستشار السابق للرئيس مسعود بزشكيان، إن البلاد شهدت موجة من القومية، أثارها التدخل العسكري الإسرائيلي بالتأكيد.
وأضاف: "من الطبيعي أن يستغل النظام هذه الموجة، فالأناشيد القومية منتشرة حاليًّا في جميع محطات الإذاعة الحكومية". وإن كان ليس من الواضح ما إذا كان أي من هذا كافيًا لإقناع معارضي النظام بجدية خامنئي في الإصلاح، إلا أنه قد يمنح النظام بعض الوقت.
ولسنوات، خضعت سلطة خامنئي لاختبارات متعددة، بدءًا من سوء الإدارة المزمن وصولًا إلى فشل البنية التحتية والدمار البيئي، وعندما بلغ الإحباط ذروته وتحول إلى احتجاجات مناهضة للحكومة بسبب تزوير الانتخابات، أو أسعار البنزين، أو حقوق المرأة، غالبًا ما قوبلت بقمع وحشي.
واعتبر هومان مجد، مؤلف كتاب "ديمقراطية آية الله"، أن خامنئي بات يدرك الآن بوضوح أن "استخدام الإسلام وحده لن يُجدي نفعًا اليوم، وأن القيادة بحاجة إلى الاعتماد على القومية" وفق تعبيره.