مسيّرة تستهدف سيارة على طريق بلدة مركبا جنوبي لبنان

logo
العالم

الصين تخترق المحيط الهادئ.. نزاع دبلوماسي واقتصادي جديد مع نيوزيلندا

وزير خارجية جزر كوك ونظيره الصينيالمصدر: غيتي إيمجز

في قلب جنوب المحيط الهادئ، تدور اليوم لعبة نفوذ جديدة تعكس التنافس الاستراتيجي بين القوى الإقليمية والدولية؛ فلطالما اتسمت العلاقات بين جزر كوك ونيوزيلندا بالمتانة؛ إذ يجمع بينهما تاريخ استعماري وروابط ثقافية وسياحية ودعم مالي ثابت. 

غير أن توقيع جزر كوك اتفاقية شراكة واسعة مع الصين قلب موازين هذه الصلة التقليدية، وأشعل توترا غير مسبوق بين ويلينغتون وجارتها الصغيرة في جنوب المحيط الهادئ، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز".

أزمة المساعدات وتعثر الميزانية

أوقفت نيوزيلندا مساعدات بملايين الدولارات، محدثة فجوة مالية كبرى في ميزانية جزر كوك، وتعرضت العلاقات الثنائية لضغوط هائلة.

ولم يتردد رئيس وزراء جزر كوك، مارك براون، في الإعلان عن نيته البحث عن شركاء آخرين لتلبية احتياجات بلاده من البنية التحتية، بينما اتهم مواطنون نيوزيلندا باستخدام المساعدات كورقة ضغط سياسية.

أخبار ذات علاقة

الذكرى الخمسين لاستقلال بابو غينيا الجديدة عن أستراليا

فشل معاهدة "بوكبوك".. تحديات أستراليا في مواجهة نفوذ الصين بالمحيط الهادئ

تُظهر التطورات الأخيرة أنّ اللقاء المباشر بين قادة نيوزيلندا وجزر كوك، خلال المنتدى الإقليمي، لم ينجح في تليين الخلاف القائم بشأن اتفاق الأخيرة مع الصين. 

فقد اعتبر وزير الخارجية النيوزيلندي، ونستون بيترز، أنّ الصفقة تمثل «تحولا خطيرا» جرى توقيعه من دون أي تشاور مع ويلينغتون، مشددا على أنّ بلاده لن تستأنف تقديم الدعم المالي إلا بعد اتخاذ خطوات ملموسة لإصلاح مسار العلاقات وإعادة بناء الثقة بين الطرفين.

من جانبه، استحضر رئيس وزراء جزر كوك، مارك براون، تجربة نيوزيلندا مع الصين عام 2014، حين أبرمت ويلينغتون اتفاقية شراكة واسعة دون الرجوع إلى راروتونغا، محققة فوائد اقتصادية ضخمة. 

غير أنّه شدّد على أنّ المشهد الجيوسياسي الراهن يختلف جذريّا؛ إذ تتصاعد المخاوف الإقليمية من الطموحات العسكرية والاقتصادية لبكين في المحيط الهادئ؛ ما يجعل التعامل مع هذه الملفات أكثر حساسية وتعقيدا.

الصين وتوسيع النفوذ في المحيط الهادئ

لم تعد الاتفاقيات الاقتصادية مع الصين تُقرأ في جزر المحيط الهادئ باعتبارها استثمارات محايدة، بل باتت تُفهم ضمن إطار إستراتيجية أوسع تسعى بكين من خلالها إلى تعزيز حضورها الإقليمي.

أخبار ذات علاقة

جنود يستعدون للقفز في المحيط الهادئ

معركة السكاكين في المحيط الهادئ.. صراع النفوذ بين الصين وأستراليا وأمريكا

 فبعد توقيعها صفقة شراكة مع جزر كوك، سبقتها اتفاقية أمنية مع جزر سليمان عام 2022؛ وهو ما غذّى مخاوف الدول المجاورة من محاولات صينية لترسيخ موطئ قدم عسكرية. 

ورغم تأكيد بكين وراروتونغا أن الاتفاق الحالي يقتصر على الجوانب الاقتصادية، تواصل نيوزيلندا التحذير من أن بكين تميل إلى المزج بين التعاون الاقتصادي والترتيبات الأمنية، بما قد يفضي إلى قيام هياكل إقليمية موازية تُضعف التوازن القائم في جنوب المحيط الهادئ.

يعكس قرار نيوزيلندا تعليق تمويل بقيمة 18.2 مليون دولار نيوزيلندي، كان مخصصا لقطاعات الصحة والتعليم والسياحة في جزر كوك، تحركا غير معتاد من جانب ويلينغتون بالمقارنة مع نهج أستراليا التي فضّلت مضاعفة مساعداتها في المنطقة. 

وبينما يعمل دبلوماسيون من الطرفين على تنفيذ الاتفاق مع بكين لمعالجة النقاط المثيرة للقلق، يسود داخل الجزيرة شعور بالحذر إزاء شريك اقتصادي قوي لكنه ما زال يثير تساؤلات بشأن أهدافه الحقيقية في جنوب المحيط الهادئ.

دور الصين في التنمية والاستثمار المستقبلي

تتجاوز الاتفاقية التي أبرمتها جزر كوك مع الصين مجرد التمويل والمساعدات؛ إذ تمتد لتشمل التعاون في استكشاف معادن قاع البحر، وهو مورد استراتيجي يمكن أن يمنح الجزيرة موقعا متقدما في سباق النفوذ الإقليمي. 

وفي موازاة ذلك، سارعت الولايات المتحدة إلى توقيع اتفاق منفصل مع راروتونغا بشأن التعدين البحري؛ ما يبرز مكانة جزر كوك كبؤرة تنافس دولي متصاعد في جنوب المحيط الهادئ.

أخبار ذات علاقة

الغواصة الصينية غير المأهولة فائقة الحجم XLUUVs

المحيط الهادئ يشتعل بصمت.. الصين تكشف "سلاحها السري" ضد واشنطن

ويرى خبراء محليون، مثل راشنيل كومار، أن جزر كوك، مثل بقية دول المحيط الهادئ الصغيرة، تحتاج إلى أي دعم يضمن لها التنمية ويعينها على مواجهة تحديات تغيّر المناخ، شرط أن تظل متيقظة إزاء مخاطر الارتهان لنفوذ خارجي.

ويُظهر انتشار المشاريع الصينية في العاصمة أفاروا، من مبنى القضاء ومقر الشرطة إلى الملعب الوطني، حجم الحضور الاقتصادي لبكين، لكنه يقابَل داخليًّا بشعور متزايد بضرورة الموازنة بين المصالح الوطنية وضغوط التنافس بين القوى الكبرى.

في النهاية، تحولت جزر كوك إلى نقطة ارتكاز جيوسياسية بين الصين ونيوزيلندا؛ حيث يتقاطع الطموح الاقتصادي مع المخاوف الأمنية، ويغدو الحفاظ على التوازن بين الشراكات الخارجية والسيادة الوطنية تحديا مصيريّا. 

إن مستقبل هذه الدولة الصغيرة في جنوب المحيط الهادئ سيعتمد على قدرتها على المناورة بين القوى الكبرى، وحماية مصالحها من النفوذ الخارجي دون المساس بالتنمية التي تحتاجها مجتمعاتها.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC