في حكم تاريخي وغير مسبوق، أصدرت محكمة سويدية حكمًا بالسجن المؤبد على الإرهابي أسامة كريم، أحد عناصر تنظيم داعش، لتورطه المباشر في الجريمة البشعة التي راح ضحيتها الطيار الأردني معاذ الكساسبة، الذي أُحرق حيًا داخل قفص حديدي عام 2015، في مشهد هز ضمير العالم بأسره.
وعقب هذه المحاكمة أثير تساؤل فيما إذا كان سيفتح هذا الحكم الباب أمام ملاحقة عشرات الإرهابيين الذين لجؤوا إلى أوروبا واختبؤوا تحت مظلة اللجوء السياسي وحقوق الإنسان؟
مشهد لا يمحى من ذاكرة العالم
وفي 24 ديسمبر 2014، سقطت طائرة تابعة لسلاح الجو الأردني قرب مدينة الرقة السورية، معقل تنظيم "داعش" آنذاك، حيث وقع الطيار الأردني الشاب، معاذ الكساسبة، أسيرًا في يد التنظيم الإرهابي.
وبعد أسابيع من الصمت والترقب، صدم العالم بفيديو وحشي نُشر في 3 فبراير 2015، يُظهر الطيار محاصرًا داخل قفص حديدي قبل أن يُشعل أحد الإرهابيين النار فيه، ليُحرق حيًا أمام الكاميرات، بحسب إذاعة "إر.إف.إي" الفرنسية.
من بين المشاركين في الجريمة، ظهر الإرهابي السويدي من أصل سوري أسامة كريم، الذي ظهر بوضوح في الفيديو، يرتدي زيًا عسكريًا ويحمل سلاحًا، ولاحقًا، أكدت التحقيقات وجوده في موقع الجريمة، كما تم التعرف عليه من خلال ندبة مميزة فوق عينه، إضافة إلى تسجيلات صوتية جمعته بأقاربه تحدّث فيها عن الجريمة.
العدالة تتحقق بعد 10 سنوات من الجريمة
في سابقة قانونية، اعتبرت محكمة ستوكهولم السويدية أن أسامة كريم لعب دورًا رئيسًا في قتل الكساسبة، مؤكدة أنه: "كان مسلحًا، ومرتديًا للزي الرسمي، ووافق على الظهور في التصوير، وساهم بشكل حاسم في تنفيذ الجريمة".
كما بيّنت القاضية آنا ليلينبرغ غوليشو، أن كريم: "شارك مع بقية الإرهابيين في احتجاز الطيار، ورافقه إلى القفص الذي أُحرق فيه حيًا"، بحسب صحيفة "ويست فرانس" الفرنسية.
ورغم أن كريم حاول التملص من التهمة مدّعيًا أنه لم يكن يعلم بما سيحدث، إلا أن المحكمة رفضت روايته، وحكمت عليه بالسجن المؤبد بتهم الإرهاب وارتكاب جريمة حرب مشددة.
تعويض رمزي لعائلة الشهيد الكساسبة
وأصدرت المحكمة أيضًا قرارًا بتعويض عائلة الكساسبة، حيث حُكم بدفع مبلغ 80 ألف كرونة سويدية (ما يعادل نحو 7,200 يورو) لكل من والديه وإخوته، كجزء من اعتراف المحكمة بالأذى النفسي والصدمة العميقة التي لحقت بهم نتيجة الجريمة المروعة.
خلال جلسات المحاكمة التي جرت بين 4 و26 يونيو، ظل المتهم صامتًا، رافضًا الإدلاء بأي اعترافات أو إظهار أي ندم أو تعاطف، ما أثار استياء فريق الادعاء ومحامي العائلة الأردنية.
المحامي ميكائيل ويسترلوند صرّح أمام المحكمة:" أي شخص يشهد على هذه الجريمة كان سيحتاج علاجًا نفسيًا طويل الأمد، أما كريم، فلم يُظهر أي صدمة، بل بدا أنه استلهم من الحدث ليكمل مشواره الإرهابي لاحقًا في أوروبا".
ماضي كريم الدموي في أوروبا
لم تكن جريمة الكساسبة الوحيدة في سجل أسامة كريم، إذ سبق أن أدين في فرنسا بالسجن 30 عامًا بتهمة التورط في هجمات باريس عام 2015، وفي بلجيكا بالسجن المؤبد على خلفية تفجيرات مطار ومترو بروكسل عام 2016.
وقد تم تسليمه مؤقتًا إلى السلطات السويدية في مارس 2025 من قبل فرنسا لمدة تسعة أشهر لأغراض التحقيق والمحاكمة، على أن يُعاد إلى باريس في موعد أقصاه 27 ديسمبر 2025.
هل تُنهي هذه المحاكمة إفلات الإرهابيين من العقاب في أوروبا؟
قضية كريم تفتح بابًا واسعًا للتساؤل حول مستقبل مئات الإرهابيين الفارين إلى أوروبا تحت غطاء اللجوء، فقد اتخذ عدد كبير منهم من القارة الأوروبية ملاذًا آمنًا، مستغلين القوانين الليبرالية وضعف التنسيق القضائي الدولي، رغم ضلوعهم في جرائم حرب، وإعدامات، وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في العراق وسوريا.
ويرى محللون أن الحكم الصادر بحق كريم يمثل سابقة قانونية مهمة، وقد يشكّل قاعدة قانونية يمكن البناء عليها لملاحقة كل من شارك، أو دعم، أو تغاضى عن جرائم تنظيم داعش.
كما قد يضغط هذا الحكم على الحكومات الأوروبية لتشديد الرقابة ومراجعة ملفات المتطرفين السابقين الموجودين على أراضيها، بحسب صحيفة "ويست فرانس" الفرنسية.
وقضية معاذ الكساسبة لم تُطوَ بعد، لكن الحكم السويدي بالسجن المؤبد على أحد المشاركين المباشرين في جريمة إعدامه يشكّل بداية لمسار عدالة طال انتظاره.
ومع ذلك، تبقى هناك حاجة ملحة إلى إرادة سياسية وأمنية وقضائية أوروبية مشتركة لمحاكمة كل المتورطين في جرائم التنظيم الإرهابي، ومنع تحول أوروبا إلى ملاذ آمن للمجرمين الفارين من العدالة.
