logo
العالم

كيف تحولت البرازيل لمنصة نفوذ صيني في نصف الكرة الغربي؟

الرئيس الصيني شي جين بينغ والرئيس البرازيلي لولا المصدر: رويترز

يشهد النفوذ الاقتصادي الصيني في البرازيل تحولًا نوعيًا يُعيد رسم خريطة القوة في نصف الكرة الغربي.

فبعد سنوات من حضورها كشريك تجاري يعتمد على تبادل السلع، نجحت بكين في التغلغل بعمق في القاعدة الصناعية والاستهلاكية لأكبر اقتصاد في أمريكا اللاتينية، ما عزز قدرتها على التأثير في أنماط التجارة الإقليمية، وأثار قلق واشنطن وتايبيه على حد سواء. 

ومع توسع الشركات الصينية، لا سيما في قطاع السيارات الكهربائية والتكنولوجيا والبنية التحتية، تتحول البرازيل تدريجيًا إلى منصة استراتيجية لنفوذ صيني يمتد عبر القارة، بحسب مجلة "The Diplomat".

نفوذ اقتصادي صيني يتجاوز التجارة

منذ عام 2009 أصبحت الصين الشريك التجاري الأول للبرازيل، إلا أن موقعها ظل مرتبطًا بتجارة السلع، من فول الصويا إلى المعادن؛ لكن المعادلة تغيّرت خلال العامين الماضيين، إذ انتقل التوسع الصيني من مرحلة التبادل التجاري إلى مرحلة بناء حضور صناعي متكامل داخل البرازيل.

أخبار ذات علاقة

الرئيس الأمريكي ترامب ونظيره البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا.

البرازيل تتحدّى ترامب.. سقوط بولسونارو يكشف حدود النفوذ الأمريكي

تستحوذ شركة BYD على 80% من سوق السيارات الكهربائية المحلي، وتدير أول وأكبر قاعدة تصنيع أجنبية لها في ولاية باهيا، والتي تحولت إلى مركز إقليمي لتصدير المركبات إلى أسواق أمريكا الجنوبية.

تجاوزت مبيعات الشركة في 2024 نسبة نمو بلغت 327% مقارنة بالعام السابق، ما يعكس التحول في نظرة المستهلك البرازيلي إلى المنتجات الصينية باعتبارها أكثر جودة وموثوقية.

وفي قطاعات التكنولوجيا والخدمات الرقمية، باتت تطبيقات صينية مثل "99" التابعة لـ "ديدي" و"كيتا" التابعة لـ "ميتوان" جزءًا أصيلًا من الحياة اليومية في المدن الكبرى، حيث تتنافس على سوق النقل والخدمات اللوجستية.

هذا الحضور يكرّس دور الشركات الصينية كصانعة للسوق، وليس مجرد ضيف اقتصادي خارجي.

رغم أن الولايات المتحدة ما زالت أكبر مستثمر أجنبي في البرازيل بنسبة 17%، فإن الاستثمارات الصينية تتوسع بوتيرة مقلقة لواشنطن؛ إذ ارتفع الاستثمار الصيني المباشر بنسبة 113% بين 2023 و2024، مقابل 0.05% فقط للولايات المتحدة.

كيف تستفيد الشركات الصينية من ميركوسور؟

لا تقتصر أهمية البرازيل بالنسبة للصين على حجمها الاقتصادي، بل تمتد إلى موقعها في تكتل ميركوسور، الذي يتيح مزايا استراتيجية للشركات الصينية. 

فوفق قواعد التكتل، يمكن للمنتجات المصنّعة في البرازيل أن تحتوي على 45% من مكونات غير تابعة لميركوسور، ومع ذلك تُصنف كمنتجات برازيلية المنشأ.

أخبار ذات علاقة

الرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو

"هلوسات".. بولسونارو يبرر إتلاف سوار المراقبة الأمني في البرازيل

هذه القاعدة تُتيح لشركات مثل BYD وضع ملصق "صُنع في البرازيل" على منتجاتها، ما يُسهل دخولها أسواق باراغواي والأرجنتين وأوروغواي بتعرفة منخفضة أو معفاة من الرسوم. 

ويمثل ذلك ضربة غير مباشرة لتايوان، إذ تُعد باراغواي واحدة من آخر حلفائها الدبلوماسيين في أمريكا الجنوبية. 

ومع اكتساح المنتجات الصينية "البرازيلية"، يتراجع النفوذ الاقتصادي التايواني في أسونسيون.

كما أن تغلغل الشركات الصينية في قطاع الطاقة البرازيلي، ولا سيما من خلال استثمارات في الكهرباء والنفط، يفتح الباب أمام نفوذ غير مباشر في مشاريع استراتيجية تؤثر على دول مجاورة.

ورغم عدم امتلاك الصين لحصص مباشرة في محطة إيتايبو الكهرومائية التي توفر 90% من كهرباء باراغواي، فإن الشراكات التقنية المتنامية بين البرازيل وشركات الطاقة الصينية تُثير مخاوف حول إمكانية توسع نفوذ بكين عبر القنوات البرازيلية.

حسابات برازيليا ومخاوف واشنطن وتايبيه

تستفيد الصين من توجهات السياسة الخارجية للرئيس لولا دا سيلفا الذي يتبنى نهج "عدم الانحياز" وتعزيز التعاون بين بلدان الجنوب. 

هذا النهج يجعل بكين شريكًا مفضلًا، خاصة مع سعي البرازيل إلى توسيع نفوذها العالمي والحد من اعتمادها على الدولار. 

وقد دعا لولا خلال زيارته لبكين عام 2023 إلى اعتماد العملات المحلية في التجارة الثنائية، في خطوة ألقت بظلالها على مكانة الولايات المتحدة.

أخبار ذات علاقة

بولسونارو في قبضة الشرطة

رئيس البرازيل: توقيف بولسونارو احتياطياً "لا شأن له" بالعلاقة مع واشنطن

ومع تزايد اعتماد البرازيل على رأس المال الصيني وسلاسل التوريد المرتبطة ببكين، يصبح تأثير الصين على السياسة الخارجية البرازيلية مرشحًا للتعاظم، ما يمنحها نفوذًا دبلوماسيًا يتجاوز الاقتصاد ويمتد إلى رسم علاقات القارة مع قوى عالمية أخرى.

بالنسبة للولايات المتحدة، يشكل هذا التحول تهديدًا مباشرًا لنفوذها التاريخي في منطقة تعتبرها تقليديًا مجالًا حيويًا، أما تايوان فتواجه احتمال فقدان أحد آخر موطئ قدم دبلوماسي لها في أمريكا اللاتينية.

ورغم جهود واشنطن لتعزيز الانخراط الاقتصادي عبر مشروع قانون "شراكة الولايات المتحدة وتايوان في الأمريكتين"، فإن المبادرات الحالية لا تزال محدودة مقارنة بالحزمة المتكاملة من الاستثمارات، والبنية التحتية، والتكنولوجيا التي تقدمها الصين عبر البرازيل.

تستخدم الصين البرازيل كنقطة ارتكاز لإعادة تشكيل التحالفات الاقتصادية والسياسية في الأمريكتين. 

وفي حال استمرت هذه الاتجاهات دون مواجهة فعالة من الولايات المتحدة وتايوان، فقد تصبح البرازيل بوابة متقدمة لنفوذ صيني يمتد عبر القارة، ويُعيد توزيع القوة في نصف الكرة الغربي لعقود مقبلة.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC