في الإغلاق الحكومي الأخير، يتّبع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، تحولاً إستراتيجياً واضحاً مقارنة بتجربته الأولى في عام 2018، عندما رفض الديمقراطيون تمويل جدار الحدود؛ ما أدى إلى إغلاق استمر 35 يوماً، وانتهى بتنازل الرئيس تحت ضغط داخلي من حزبه الجمهوري.
أما اليوم، في عهده الثاني، فيتبنّى ترامب، وفق وصف صحيفة "واشنطن بوست" إستراتيجية "الأقل تنازلاً"، مستغلاً الإغلاق لتحقيق أهداف أوسع تتمثل في تقليص حجم البيروقراطية الفيدرالية واستهداف "أعدائه" السياسيين، سواء أكانوا الديمقراطيين أم الولايات الزرقاء أم الوكالات غير المرغوبة.
يبرز هذا النهج في كيفية استخدام ترامب للإغلاق كأداة لإعادة تشكيل الحكومة وفق شروطه، إذ قلّص عدد الوكالات الفيدرالية، وفصل عشرات الآلاف من الموظفين دون استشارة الكونغرس، مستفيداً من دعم قوي من قادة حزبه.
ويصف البيت الأبيض الإغلاق بأنه "بقيادة الديمقراطيين"، متجاهلاً جوهر الخلاف حول تمديد دعم الضرائب لسياسات التأمين الصحي، لكنه بدلاً من ذلك، يركز على تقليص الإنفاق، معلناً تعليق تمويل مشاريع البنية التحتية والطاقة النظيفة في 16 ولاية ديمقراطية من أصل 19 صوتت لكامالا هاريس، منافسته في انتخبابات الرئاسة 2024.
ويعكس هذا الاستهداف الواضح للولايات "الزرقاء" رغبة ترامب في معاقبة الخصوم، مع التركيز على برامج عهد سلفه، جو بايدن التي يراها الجمهوريون "مبذّرة" أو معادية للاقتصادات المعتمدة على الوقود الأحفوري.
ويبدو أن ترامب تعلّم من دروس ولايته الأولى، كما يرى نيوت جينجريتش، مستشار سابق، الذي أكد أن الإدارة أمضت أربع سنوات في تقييم كيفية إجراء تغييرات سريعة، فكان الاستنتاج أن البطء السابق سمح للموظفين غير السياسيين بعرقلة الجهود.
وجاءت الخطة الجديدة في الولاية الثانية بمزيد من القوة، بتسريح موظفين، وإغلاق "وكالات ديمقراطية"، وحجز أموال مخصصة، إذ أبلغ راسل فوت، مدير الميزانية، الجمهوريين ببدء التسريحات خلال أيام، رغم انتقادات قانونية ودعاوى من النقابات.
لكن "واشنطن بوست" تعتقد أن هذه الإستراتيجية تنطوي على مخاطر، إذ يسيطر الجمهوريون على الكونغرس؛ ما يجعل إلقاء اللوم على الديمقراطيين صعباً، كما أظهر استطلاع للصحيفة أن أغلب الأمريكيين يلومون ترامب وحزبه.
رغم ذلك، بحسب الصحيفة الأمريكية، يستمر البيت الأبيض في "هجوم عدواني"، مستخدماً صوراً مولدة بالذكاء الاصطناعي ساخرة لحكيم جيفريز، للنائب الديقراطي، متهماً الديمقراطيين بـ"استعباد الشعب" لصالح "رعاية صحية مجانية للمهاجرين غير الشرعيين"، وهو ادعاء "كاذب" بحسب تشارلز شومر، زعيم الديمقراطيين في مجلس النواب.
ويعمل البيت الأبيض كحملة انتخابية، مستغلاً الإعلام المحافظ لنشر رسائله، متجاهلاً وسائل الإعلام التقليدية، وهكذا وفق "واشنطن بوست"، يحقق ترامب أهدافاً أفلتت منه سابقاً، مثل فرض رسوم جمركية ونشر قوات، معززاً قبضته على الحزب.
وتخلُص الصحيفة إلى أن الإغلاق بات يمثّل بوضوح نموذجاً لـ"إستراتيجية الأقل تنازلاً"، حيث يجمع بين التقليص الإداري والاستهداف السياسي، رغم المخاطر القانونية والشعبية، ضمن محاولات ترامب المستمرة لإعادة تشكيل أمريكا وفق رؤيته المعتمدة على سرعة التنفيذ وقلة التنازلات.