تجميد المساعدات.. قرار ترامب يربك عمل المنظمات الدولية

من توقف طائرات الهليكوبتر الكولومبية لمكافحة الاتجار بالمخدرات بسبب نقص الوقود، إلى تهديد إغلاق منصات الأخبار في أوكرانيا، تحاول منظمات الإغاثة والحكومات في جميع أنحاء العالم فهم مدى تأثير التجميد المفاجئ للمساعدات الخارجية الأمريكية في أنشطتها.

ووفقا لصحيفة فايننشال تايمز البريطانية، كشف تعليق المساعدات الأمريكية لمدة 90 يومًا وشرط "وقف العمل" في أعقاب الأمر التنفيذي للرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأسبوع الماضي، عن مدى انتشار المساعدات الأمريكية التي تعد مشاريعها المتنوعة في جميع أنحاء العالم جزءًا أساسيًا من القوة الأمريكية الناعمة.

وقال جود مور، وزير الأشغال العامة الليبيري السابق وزميل مركز التنمية العالمية، وهو مركز أبحاث في واشنطن، إن الموقف الجديد بشأن المساعدات الخارجية قد يهدد هذه النوايا الحسنة من خلال إخطار الدول بأنه لم يعد هناك "تمييز بين الحلفاء والشركاء والأعداء. هذا يبلور الفكرة بأن أي مشاركة مع الولايات المتحدة هي صفقات" وفق تعبيره.

وبعد صدمة عالمية، قال وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، يوم الثلاثاء، إن "البرامج الأساسية المنقذة للحياة" المتعلقة بالأدوية والغذاء والمأوى ستكون معفاة من قرار التعليق، ولكن المنظمات الإنسانية في مختلف أنحاء العالم ظلت تحاول معرفة كيف قد تتأثر.

وقالت إليزابيث هوفمان، المديرة التنفيذية لأمريكا الشمالية في منظمة One، وهي منظمة تعمل على تمويل وتخفيف أعباء الديون عن الدول الفقيرة: "نشعر بالتشجيع لسماع أن هناك عملية إعفاء لبرامج إنقاذ الحياة، لكننا ما زلنا نشعر بالقلق من أن هذا قد يَعلق في الروتين البيروقراطي".

وأبرزت بياتريس غرينستين، رئيسة جمعية الإيدز الدولية، التهديد الذي تواجهه خطة الطوارئ الرئاسية المدعومة من الولايات المتحدة لإغاثة الإيدز، التي استثمرت أكثر من 110 مليارات دولار في علاج فيروس نقص المناعة البشرية منذ عام 2003، ويُنسب إليها إنقاذ ملايين الأرواح في أفريقيا وأماكن أخرى. 

وقالت: "توفر خطة الرئيس الأمريكي الطارئة للإغاثة من الإيدز مضادات الفيروسات المنقذة للحياة لأكثر من 20 مليون شخص". وإذا تم خفض التمويل، "فسيموت الناس وسيعود فيروس نقص المناعة البشرية إلى الظهور".

وأثار الأمر التنفيذي الذي أصدره ترامب تساؤلات حول المنطق وراء كثير من المساعدات الأمريكية، التي بلغت 64.7 مليار دولار في عام 2023، وفقا لتقرير ONE، وهو ما يزيد على ربع مبلغ 223 مليار دولار الذي قدمته الدول الغنية في ذلك العام.

وبحسب الأمر التنفيذي الذي أصدره ترامب، فإن كثيرا من الإنفاق الأمريكي "يتعارض مع القيم الأمريكية". 

وقالت تامي بروس، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية، إن الولايات المتحدة "لن توزع الأموال بشكل أعمى دون عائد للشعب الأمريكي".

كما أكد التهديد بالانسحاب المفاجئ لشرائح كبيرة من المساعدات الأمريكية حتى بعد رفع الحظر المؤقت، الفارق التاريخي بين مساعدات واشنطن، التي تركز على المنح المخصصة للصحة والتنمية وحقوق الإنسان، ومساعدات بكين، التي ركزت بشكل رئيس على القروض للبنية الأساسية التي تبنيها الصين.

وقال مستشار للحكومة في سيراليون في غرب أفريقيا، حيث توقفت فورا عمليات مراقبة الجدري واختبارات فيروس نقص المناعة البشرية الممولة من الولايات المتحدة بعد الأمر التنفيذي الذي أصدره ترامب: "نحن نعتمد كثيرا على الولايات المتحدة في تمويلنا، وهذا يشكل صداعا كبيرا للغاية" وفق تعبيره.

وأوضح المستشار "إن أفضل سيناريو هو الحصول على التمويل من مكان آخر"، لكنه أشار إلى أن الصين من غير المرجح أن تتدخل بشكل كامل.

وذكر مسؤولون أن من بين البرامج المهددة على الفور جهود الإغاثة في السودان، فقد أطلقت الحرب الأهلية التي استمرت قرابة عامين العنان لأسوأ كارثة إنسانية في العالم، إذ أصبح نحو نصف سكان البلاد البالغ عددهم 49 مليون نسمة على وشك المجاعة.

 وقال أمجد فريد، المستشار الخاص السابق للحكومة المدنية، إن المطابخ المجتمعية الحيوية تعتمد حصريًا على دعم المانحين.

وأضاف أن تجميد التمويل الأمريكي يهدد الآن بترك ملايين السودانيين عرضة لمزيد من المعاناة والجوع والرعاية الطبية غير الكافية"، على الرغم من أنه من غير الواضح ما إذا كان إعفاء روبيو قد ينقذ مثل هذه البرامج.

وفي أوكرانيا، أكبر متلق للمساعدات الدولية في العالم منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير/شباط 2022، قدمت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية 2.6 مليار دولار من المساعدات الإنسانية، و5 مليارات دولار من المساعدات الإنمائية وأكثر من 30 مليار دولار من الدعم المباشر للميزانية.

ورغم تأكيد الرئيس فولوديمير زيلينسكي أن المساعدات العسكرية الأمريكية لم تتوقف، أفادت عشرات الهيئات الأوكرانية، بما في ذلك منصات إخبارية ومرافق طبية ومنظمات قدامى المحاربين، بتلقي أوامر "وقف العمل".

وقالت مؤسسة ميدياروخ، وهي تحالف من منصات إخبارية وهيئات رقابية، في بيان إن التجميد سيكون له تأثير في مساحة المعلومات في البلاد، التي استغلتها روسيا في حربها. 

وتضررت كولومبيا، التي كان من المقرر أن تتلقى نحو 380 مليون دولار هذا العام في تمويل التنمية ومكافحة المخدرات، من تجميد الإنفاق.

وكانت البلاد قد استضافت نحو 2.8 مليون مهاجر فنزويلي، وفقًا للمنظمة الدولية للهجرة، فقد أصبحت العديد من المنظمات غير الحكومية التي توفر المأوى والغذاء والتوجيه الآن غير قادرة على دفع تكاليف عملياتها، حتى إن العديد من عمليات الشرطة الكولومبية الممولة من مكتب شؤون المخدرات وإنفاذ القانون الدولية تم تجميدها أثناء تعليق الميزانية الفيدرالية المنفصل لترامب، الذي تم إسقاطه لاحقًا.

وقال مسؤول: "لقد تأثرت مكافحة المخدرات، والإتجار في الحياة البرية، والإتجار في النباتات، والتعدين غير القانوني، والهيدروكربونات، وكل شيء".

وقالت هوفمان من منظمة  One إن "خطة الرئيس الأمريكي الطارئة للإغاثة من الإيدز ليست مجرد برنامج صحي عالمي، بل إنها حجر الزاوية للأمن القومي الأمريكي، فهي تحمي الأمريكيين من التهديدات الصحية الناشئة، وسيستغل خصومنا هذه الفجوة في القيادة الأمريكية ويروجون للتضليل الذي من شأنه أن يقوض الثقة في الولايات المتحدة ويضر بسمعتنا في مختلف أنحاء العالم" وفق تعبيرها.